قال: فأيقنت بالقتل، وأقبلت على الصلاة، والدعاء، والبكاء.
فما مضت إلا ساعات يسيرة، حتى سمعت أصوات الأقفال تفتح، فعاودني الجزع، وإذا هم قد جاؤوا إلى بيت أبي المثنى القاضي، ففتحوه، وأخرجوه، وقالوا له: يقول لك أمير المؤمنين، يا عدو الله، يا فاسق، بم استحللت نكث بيعتي، وخلع طاعتي؟ فقال: لأني علمت، أنه لا يصلح للإمامة.
فقالوا له: إن أمير المؤمنين، قد أمرنا باستتابتك من هذا الكفر، فإن تبت رددناك إلى محبسك، وإلا قتلناك.
فقال: أعوذ بالله من الكفر، ما أتيت ما يوجب الكفر.
قال: وأخذ يتهوس معهم بهذا الكلام وشبهه، ولا يرجع عنه.
فلما أيسوا منه، مضى بعضهم وعاد، فظننت أنه يستثبت في الاستئذان، قال: ثم أضجعوه، فذبحوه، وأنا أراه، وحملوا رأسه، وطرحوا جثته في البئر.
قال: فذهب علي أمري، وأقبلت على البكاء، والدعاء، والتضرع إلى الله جل وعز.
فلما كان وجه السحر، وقد سمعت صوت الدبادب، وإذا صوت الأقفال، فقلت: لم يبق غيري، وأنا مقتول، فاستسلمت، وفتحوا الأبواب عني، وأقاموني إلى الصحن، وقالوا: يقول لك أمير المؤمنين، يا فاعل، يا صانع، ما حملك على نكث بيعتي؟.
فقلت: الخطأ، وشقوة الجد، وأنا تائب إلى الله عز وجل من هذا الذنب.
قال: وأقبلت أتكلم بهذا وشبهه، فمضى بعضهم، وعاد فقال: أجب، ثم أسر إلي، فقال: لا بأس عليك، فقد تكلم فيك الوزير - يعنون ابن الفرات - وأنت مسلم إليه، فسكنت قليلا، وجاؤوني بخفي، وطيلساني، وعمامتي، فلبست ذلك، وأخرجت، فجيء بي إلى الدار التي كانت برسم ابن الفرات في دار الخليفة، فلما رآني، يخاطبني بعظم جنايتي وخطأي، وأنا أقر بذلك، وأستقيل، وأتنصل.
ثم قال لي: قد وهب لي أمير المؤمنين ذنبك، وابتعت منه جرمك بمائة ألف دينار، ألزمتك إياها.
فقلت: أيها الوزير، ما رأيت بعضها قط مجتمعا.
فغمزني بأن أسكت، وجذبني قوم من وجوه الكتاب، كانوا ورائي، فسكتوني، فعلمت أن الوزير ابن الفرات، أراد تخليصي، وحقن دمي.
فقلت: علي كل ما يأمر الوزير أعزه الله.
فقال: احملوه إلى داري.
قال: فأخذت، وحملت إلى داره، فقرر أمري على مائة ألف دينار، على أن أؤدي منها النصف عاجلا، ويصبر النصف في حكم الباطل على رسم المصادرات.
فلما صرت في دار ابن الفرات، وسع علي في المطعم، والمشرب، والملبس، وأدخلت الحمام، ورفهت، وأكرمت.
فرأيت، لما خرجت من الحمام، وجهي في المرآة، فإذا طاقات شعر قد ابيضت في مقدم لحيتي، فإذا أنا قد شبت في تلك الليلة الواحدة.
قال: وأديت من المال نيفا وثلاثين ألف دينار، ثم نظر لي ابن الفرات بالباقي وصرفني إلى منزلي، وتخلص دمي.
وأقمت في بيتي سنين، وبابي مسدود، لا أرى أحدا، إلا في الشاذ، وتوفرت على دراسة الفقه، والنظر في العلم، إلى أن من الله بالفرج، فكشف ما بي، وأخرجت من بيتي إلى ولاية الأعمال.
من كتاب الفرج بعد الشدة
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[09 - 10 - 2010, 01:39 ص]ـ
صحيح الشيب يظهر بسبب الفزع، وأحيانا
كما سمعت يكون بسبب الهم ...
ولذا يظهر في بعض صغار السن بعض الشعرات البيض ...
لكن كيف يكون الشيب بسبب جفاف "بصيلة" الشعر أو "منبعها" وهي تنمو مع باقي الشعر؟؟
لكن العبرة فيمن يشيب خوفا من الله جل وعلا ومن اليوم الآخر ...
جزاك الله خيرا
أهلا فتون سعيد بمرورك ومداخلتك الجميلة
متعك الله متاعا حسنا
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[09 - 10 - 2010, 01:40 ص]ـ
أحسنت وبارك الله فيك
والعجيب أنه منتشر بين االناس أن الإنسان إذا وضع يده على رأسه حين الفزع من شيء , يكون هذا المكان أكثر عرضة للشيب من غيره ويستدلون على ذلك ببعض الشواهد من الناس.
وللفائدة: اختلف العلماء في بلوغ الإنسان سن الشيخوخة بعد اتفاقهم أن سن الشباب من سن خمس عشرة سنة إلى الثلاثين
فقالوا إذا ظهر به الشيب بعد الثلاثين فمادام السواد هو الغالب فهو كهل, وإن كان البياض هو الغالب فهو شيخ
وقال بعض العلماء إن العبرة في ذلك بالسن وليس بلون الشعر فالكهولة من الثلاثين أو الأربعين إلى الستين
ويظهر من ذلك أنهم اختلفوا في نهاية سن الشباب بعد اتفاقهم في بدايته , فقيل: إن نهاية سن الشباب إلى الثلاثين, وبعد الثلاثين يكون كهلا , وهذا هو الراجح عندي الآن. وبعد سنتين سيترجح عندي القول الآخر وهو أن سن الشباب ينتهي عند بلوغ الأربعين:)
أهلا بك بندر سليم سعيد جدا بمرورك ومداخلتك القيمة
متعك الله متاعا حسنا
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[09 - 10 - 2010, 01:43 ص]ـ
جزاك الله خيرا أبا أيوب وعودا حميدا
ولكن كثير من الشعراء زينوا الشيب وأحسنوا تعليل وجوده، ومنهم القائل:
تفاريق شيب في الظلام لوامع *وما حسن ليل ليس فيه نجوم
ومن الأسباب كذلك الوراثة
أما الفزع، اللهم أمّنا يوم الفزع الأكبر، فلا يهم فزع الدنيا.
أهلا بك أستاذ طارق سعيد جدا بمرورك ومداخلتك
متعك الله متاعا حسنا وزادك علما ونفع بك
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[09 - 10 - 2010, 01:45 ص]ـ
موضوع جميل .. أخي الفاضل أبا أيوب
بارك الله فيك وجزاك خيراً
أهلا بك الباحثة ... مسرور بدعائك ومرورك
سرك الله بالإيمان
ومتعك الله متاعا حسنا
¥