والأستاذ محمد الغزالي أصدر أيضاً كتاباً بعنوان: "مع الله: دراسات في الدعوة والدعاة" وصدرت طبعته الأولى في الخمسينات أما طبعته الثانية فصدرت في عام 1380 هـ ـ 1961م. وبعد ذلك تكررت مثل هذه التسمية في السبعينات لدى د. أحمد ذكي في كتابه "مع الله في السماء" عام 1976م ثم تلاه كتابه "مع الله في الأرض" ووردت أيضاً هذه التسمية لدى حسن أيوب في كتابه "مع الله في صفاته وأسمائه الحسنى" عام 1974م.
والجدير بالذكر أيضاً أن الديوان تداوله المنشدون الذين لم يعرفوا من قبل سوى الأناشيد الصوفية والموشحات الدينية وما يتردد في الموالد من شعر تقليدي، فوجدوا فيه شيئاً جديداً ومختلفاً عمّا كان سائداً من الأناشيد والموشحات والمدائح النبوية، ولعل المنشد محمد منذر سرميني المعروف بـ "أبو الجود" كان خير من جعل شعر الأميري على الألسن، وأحب أن أضيف أن سيرورة شعر الأميري على أفواه الناس والمنشدين، لا ينبع فقط من جدته المشار إليها، وإنما لسبب جوهري يكمن في شعر الأميري ألا وهو: فيض الغنائية فيه بالإضافة إلى عفويته وبساطته وحرارته وملامسته لخلجات النفس ومكامن الوجدان.
ومن هذين المنطلقين نجح شعر الأميري إنشاداً وغناءً وبات يشدو به المنشدون في المناسبات الدينية، وغيرها من المناسبات. ونذكر على سبيل المثال بعض القصائد التي نجحت في الإنشاد والغناء، لحناً وأداءً، مما جعلها أكثر رواجاً وانتشاراً، ولعل أهمها:
"مع الله" و"شعاع" و"في أسر الحياة" أما الأولى فيقول فيها:
مع الله في سبحات الفكرْ
مع الله في لمحات البصرْ
مع الله في رعشات الهوى
مع الله في الخلجات الأخر
مع الله والقلب في نشوة
مع الله والنفس تشكو الضجر
مع الله في سبر كنه الوجود
وروح الحياة وسر القدر
مع الله في وحي قرآنه
مع الله في آيه والسور
مع الله في الفيض من قدسه
ينير بصيرتنا والبصر
فنبصره جل من خالق
بألائه البارعات الغرر
ونحيا به ثم نفنى
فنحيا .. ونحيا ... ونحيا الدهر
وهكذا فالقصيدة تمضي على هذه الوتيرة في تكرار تلك اللازمة "مع الله" وهي خطرات وتأملات في الكون والحياة، وقد بلغت 55 بيتاً، ولا تخلو من تكرار المعاني والأفكار.
أما القصيدة الثانية فهي مقطوعة لا تتجاوز "5 أبيات" يقول فيها:
تأملت في كنه هذا الوجود
وغصت على كشف أسراره
فجبت الوهاد وطفت النجود
وجلت بأجواء أنواره
وفكرت في نحسه والسعود
وفي خيّريه وأشراره
وإذ كاد يعرو شعوري الجمود
ويثنيه عن سبر أغواره
تلألأ لي من خفايا الخلود
شعاع فصحت بإكباره
وهي أيضاً قائمة على التأمل والتفكير ولكنها لا تغوص حقيقة إلى الأعماق كما ورد فيها: "وغصت على كشف أسراره" فالتأمل فيها واقعي، وليس تأملاً فلسفياً عميقاً، وهي تكتفي بلفت النظر، وتدعو إلى التفكير لكشف أسرار الحياة، وهذا حسبها.
أما القصيدة الثالثة فهي "في أسر الحياة" وفيها يقول:
رباه قد ضج الألم
والكون نام ولم أنمْ
الواقع المضني الممضّ
يجرني نحو الظلمْ
ومناي ترقى في السماء
وتمتطي النجم الأشمْ
وعوالم الغيب البعيد
تلوح كالحلم الأصمْ
أنا لست أدري خلف هذا
الدرب ماذا قد جثمْ
ووراء آكام الغد الـ
مجهول أيّ أسى ألّمْ
وأنا رهين توحدي
أحيا على همّ وغمّ
والله لولا الله
والطبع العيوفِ لِمَا يذمّ
للزمت دار توحّدي
حتى أسربل بالعدمْ
****
الكون مسرح خاطري
والغيب مدّخر الحكمْ
والله لولا الله
والموروث من خير الشيمْ
لنزحت عن دنيا
قوام حياتها خفر الذممْ
لكنني المأخوذ في
أسر الحياة، ولا ندمْ
قدر تحكّم في الرقاب
وسهم دهر قد نجمْ
أمر الإله وحكمه
والله أحكم من حكمْ
سلمت للرحمن تسليم
العزيز إذا عزمْ
ورضيت حكم الله
في الروح المضرّج بالألمْ
وأظن أن هذه القصيدة على خلاف ما ذهب إليه الشاعر في القصيدة الماضية، فهو يعترف بعد أن كان في تأملاته السابقة قد وصل إلى كشف أسرار الوجود بأن عوالم الغيب البعيد تلوح له كالحلم الأصم، وهذا الصمم يجعله عاجزاً عن سماع ما يصبو إليه، ويصرح الشاعر كما صرح بذلك من قبل إيليا أبو ماضي فيقول: "لست أدري":
أنا لست أدري خلف هذا
الدرب ماذا قد جثمْ
ووراء آكام الغد الـ
مجهول أي أسى ألمّ
¥