تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويرى د. حطيني: ((أن المستقبل سيفرز تقنيات كتابية جديدة وبالتالي فإن الشكل النهائي للقصة القصيرة جداً مرهون بالمبدعين وليس بالنقاد لأن النقاد يضعون القواعد من أجل أن يتجاوزها المبدع لا من أجل التقيد بها)) المصدر السابق.

فالخلط ليس مجديا خصوصا في الفنون والأفكار، قد يجدي في بحوث تجريبية على المادة، ولكنه لا يجدي في غيرها إلا إذا قام على بصيرة تفتقدها ما بعد الحداثة وتوجد في الأدب المَمْدَري بتقنية الانصزال كما ذكرت ـ أي الخلط والتعازل للأجرام الأدبية في بناء العالم القصصي والروائي ـ الموظف في رواية: نساء مستعملات، فجعل القصة القصيرة هي الأقصوصة لا نوافقه عليه، القصة القصيرة تظل مصطلحا لم يتحدد كمفهوم أدبي إلا عام 1933 في قاموس أكسفورد، وهي فن أقامه رواد ُأول وأبدعوه أمثال ادجار ألان بو الأمريكي وجودي موباسان الفرنسي وأبوها الروحي جوجول الروسي.

القصة القصيرة تظل قصة قصيرة ولو أن نتجاوز في كتابتها عشر صفحات كما في شروط معتبرة لكتابتها، ولكن ليس إلى درجة أن تتداخل مع الرواية القصيرة، أو القصة الطويلة، أو الرواية، وإلى هذا الحد يجدر بنا إنصاف الأجناس والأنماط؛ وذلك بعدم خلطها ببعضها حتى لا تضيع معالمها، وتشوه ُبناها، فتفقد جماليتها، وعليه فالقصة القصيرة في تعريفنا لها غير الفني الذي أدخلناه الأدب المَمْدَري غير الأقصوصة، الأقصوصة أقل حجما من القصة القصيرة، والقصة القصيرة أقل حجما من الرواية القصيرة، والرواية القصيرة أقل حجما من القصة الطويلة، والقصة الطويلة متحررة في ذاتها عن الرواية كما الرواية التي لا تنعت بالقصيرة متحررة بذاتها عن القصة الطويلة، وهذا التحرر يتواصل في النسب؛ إذ قد تكون القصة الطويلة والرواية بحجم واحد، ولكنهما يتقاطعان في بعض التقنيات، وعليه فالقصة الطويلة والرواية صنوان أحيانا في الحجم ونسب النصوص، وهما لحسن الحظ بتعريف مختلف لا يضطرب الذهن عند سماعه تعريف كل منهما؛ فلا يختلطان عليه، وهذا جميل لا يضطرنا التفكير فيه لوضوحه، وليس بالضرورة أن يضطر المرء التفكير فيما ليس واضحا، كلا، فالواضح قد يفكر فيه ويعطي ما يعطيه غير الواضح، وكم من أسرار كونية ونفسية لافتة ننظر إليها بنظارات تكبير مصنوعة من زجاج الغفلة ..

صحيح أن التزام هذه النظرة ليس فيه شيء من الإبداع، ولكنه في كل الأحوال لوحة لا بد منها لإظهار فنون القص عليها، إنه كاللوحة التي تظهر عليها الأعمال الفنية التشكيلية الجميلة، إنها الإطار الذي لا بد منه، وهذا الإطار إن لم تتحدد معالمه، وترسم حدوده يظل إطارا معيقا للنظر السليم بعين الذوق؛ يضيّع الخصائص الفنية للقصة، وبالتالي يغيّب الإعجاب الآسر بها وبكتابها ..

وأما في الجانب الفني فتعريفنا لكل جنس أدبي ـ في السرد تحديدا ـ هو ما كان متحررا من كل قيد إلا قيد الاختلاط بغيره من الأجناس الأخرى ..

المساحة حيز، والحيز محيط لسباحة الأجرام الأدبية، والمبدع فنان يغلي ذهنه إلى درجة أن يحس بارتفاعه بأصابع قدميه وهما فوق الأرض ينوي الإقلاع للتحليق عاليا فيكون له ما أراد، انظر إلى أشكال كثيرة من أنواع المساحات، إنها إطار للعمل الفني يمارسه المبدع فيظهر فيه وعليه إبداعه، فاللوحة والورق والثوب والبدن والخشب والحائط وغيره مساحات صالحة للإبداع، ينتج الأدب فيها وعليها، فاللوحة من ورق أو خشب أو معدن أو ثلج يستعملها المبدع لإظهار فنه، يرسم لنا التشكيل والكاريكاتير، وينقش لنا أصنافا من الأشكال للطبيعة والحيوان والإنسان والحشرات .. ويكتب لنا الحروف والكلمات بخطوط بديعة آسرة للذوق الرفيع ..

يأتي فنان فيرسم بالخشب وعلى الخشب أشكال وألوان فنية سواء كانت لحيوانات أو حشرات أو نباتات أو جمادات ..

ويأتي فنان ثان فيكتب على الورق والكرتون وأحيانا على أمتعة ومقتنيات اسما باللغة العربية وبحروف طيعة تستجيب راضية لصناعة الجمال؛ لرجل أو امرأة بخط جميل يبتاعه منه السياح في حي البائسين بغرناطة مثلا ..

ويكتب ثالث على الثوب مواقف سياسية وشعارات حزبية يتفنن في وضعها على يافطته حتى تأخذ بالعين وتأسر اللب ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير