تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يأتي فنان رابع فيرسم في فصل الشتاء على الثلج مدينة أو قرية، يرسم معمارا، وأنفاقا، ويجسِّم صورا جميلة تنتهي بتولي البرد وسخونة الجو فيذوب الثلج وتذوب معه تلك الإبداعات بعد أن تكون قد وثقت بالفيديو والصور الفوتوغرافية ..

ويأتي فنان خامس فينقش بالحناء على أكف الفتيات والنساء وعلى أرجلهن ..

ويأتي فنان سادس فيظهر نقوشا ورسوما على البدن في الذراع والكف والرجل وفي أماكن جنسية تحت الخصور لنساء وفتيات قصد الإثارة لإبراز معاني بنقوشه ورسوماته لأفاعي وعقارب وعناكب وغيرها هي أفكار للفحولة الوهمية، وآراء للتمرد مبثوثة في تلك الرسائل التي يضمرها البدن ..

ويأتي الأخير وليس الآخر فيكتب على الحيطان مطالبه السياسية وتظلماته حين يفتقد لمنبر يوصل من خلاله آراءه وتظلماته للمجتمع، أو يبدع عليه لوحات تشكيلية تطرب العين، وتهز الخلد ..

إن تحديد المساحة للكتابة الفنية ولو أن تكون مساحة غير محدودة بعد زمنيا؛ ضروري فنيا ونقديا، ضرورته ليست فكرية إلا من حيث جعل الفكر حكما في التعاريف والمصطلحات.

إن النظر إلى الحياة، وإلى الكون، وإلى الإنسان، وإلى الطبيعة، وإلى المتخيل لا بد أن يحكم بشروط .. فحجم قصيدة شعرية في الإبداع الشعري مثلا لا يكون إلا تابعا لنفَس الشاعر، فلو استطاع كتابة قصيدته في آلاف الأبيات وعشرات الآلاف فله ذلك وقد حصل لكثير من الألفيات وختمت بملحمة لم يأت بمثلها أحد عبر العصور غير عبد المنعم فرطوسي في ديوانه: ملحمة أهل البيت بـ 40.282 بيت شعري في ثمانية أجزاء، لأنه يتبع ذهنه وانفعاله، يتبع حياته، وبمقدار ما يحيا إبداعيا بحياته الطبيعية يتحدد حجم قصيدته إذا جعلها قصيدة العمر مثل قصيدتي: تائية الانتفاضة في ألف بيت مطبوع ومنشور ورقيا، وعشرات الأبيات للجزء الثاني غير مطبوعة ولا منشورة، وفي ذلك ظهور للحجم، ودعوني أعبر عنه بالفراغ المسيج الذي ورد ذكره آنفا، وهو تعبير أفضل عندي من تعبير المسبح المسيج ..

مساحة الإبداع / الفراغ المسيج كون صغير مصنوع ذهنيا وعاطفيا من قبل المبدع، وكونه هذا كون مملوك له وحده من حيث الإبداع فيه، لا يمنع غشيانه عن أحد، ولكن ليس قبل الإبداع، يسمح بغشيانه بعد الإبداع، وليس قبله، وهنا يظهر عمل في حيز لن يكون سوى ساحة الإبداع التي طرقها المبدع بأجرامه الأدبية، يطرقها وحده ولا يسمح لأي كان أن يشاركه صناعته للجمال ..

ومن هذا المنطلق نرى أن القصة القصيرة ليست هي الأقصوصة. القصة القصيرة مساحتها الإبداعية أكثر من مساحة الأقصوصة، والمساحة ليست دليلا على الجودة، وليست دليلا على القيمة الفنية لهذا الجنس أو ذاك، ولهذا النص أو ذاك، فالقيم الفنية لا تقتعد ساحتها لتتوسع فيها أو تتكاثف أو تدق وتضمر وتضغط بغية صناعة الجمال، لا، فصناعة الجمال لا تلبي ذلك، ولا تعتبر إلا بالفطرة السليمة الذواقة للجمال، انظر إلى الظرف، فهل تتم العناية به كما يجب أم لا؟ نعم، لأن الظرف يحمل شيئا مهما يرجى حفاظه فيه حتى يبلغ المرسل إليه، ولكن المظروف أكثر أهمية من الظرف، وعليه من أجل صناعة الأهم / أي الأجمل في فن القصة القصيرة أو غيرها من أشكال السرد من حيث خلق الجمال والحفاظ عليه؛ لا بد من أن يكون ظرفه لائقا به، فالهدايا البسيطة، والهدايا الرمزية حين تقدم محفوظة في أظرفة جميلة تدل على عناية محاطة بجمالية ترقى عن الماديات إلى قرع الأحاسيس والمشاعر النبيلة لإنتاج المتع العاطفية، وإنتاج المتع الذهنية في الأدب المَمْدَري بذلك الاحتفاء ..

لا يعاب على المبدع شيء أكبر من عدم استفراغ وسعه لتقديم مادته لقرائه ومتلقيه، لا يعاب عليه غير ذلك؛ ويا له من عيب، فالقول بالقصة القصيرة جدا ليس فيه سوء يمكن أن يلحق اللغة العربية الرائعة، بل إن وجد ـ وقد وجد ـ فسيلحق أبناءها، وعليه فالفقر ليس فقر اللغة، بل هو فقر من لا يحسن ترويضها والتفكير فيها، ولا أقول التفكير بها كما يقول محمد عابد الجابري؛ وهو قول مخالف للواقع ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير