والنص الذي يمكن لي تحديده هو الذي لا يتجاوز ثلاث فقرات، لا يتجاوزها بجملة واحدة، هو النص الذي يتضمن ست جمل لا تتجاوز النص الواحد إلى نصين اثنين، بل تتجاوزه إلى أن تقف عند النص الواحد وهو فقرتين، ولا تزيد إلا بفقرة واحدة دون تجاوزها لتصير نصين، والفقرة في تعريفي للفقرة كما ورد في مخطوطي: المَمْدَرية في النظرية والتقنية؛ هي ما احتوت على جملتين، والنص هو ما احتوى على فقرتين.
وإن أقصى ما يمكن إبداعه إن أمكن هو فقرة واحدة مع جملة يتيمة محاكاة لنص قرآني أتى على كلام النبي سليمان وهو معزول عن كلام الملكة بلقيس.
إن ما أستأنس به من النصوص لتحقيق ما ذكرت واتخاذه قاعدة للبناء عليه، هو قول الله تعالى:
((قالت ياأيها الملؤ، إني ألقي إلي كتاب كريم، إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تعلوا علي، واتوني مسلمين)) سورة النمل، الآية: 29 ـ 31.
فالقُصيْصيصة إذن من حيث شكلها تقوم على ثلاث فقرات أو ست جمل؛ لأن الفقرة في تحديدنا هي ما تضمنت جملتين، والنص ما تضمن فقرتين، وبهذا تكون القُصَيْصيصة كل مكون من ثلاث فقرات، فهي إذن نص واحد بفقرة ثالثة أو بجملتين، كما أنها من حيث الكم من الحروف والكلمات والجمل والفقرات لا تتعدى سطرين في الكتابة العادية، أو هي في حسابنا؛ في حدود مائة حرف متجاوزين عدد الحروف التي بنيت عليها القُصيْصيصة ولا بأس ..
وأما القُصيْصِصَة فهي نص يختزل في خمسة أسطر محاكاة لنص: الإنبات الغيبي وهو التالي:
الإنبات الغيبي
(قُصَيْصِصَة مَمْدَرِية)
((’تنبته شروط ’تسقى بماء الحياة. في محيط من الدفء وبلون قاعه يتكوّن. يبطئ في تطوره خضوعا لتقدير مبدعه. يتقدّم تحت شوق من عالم خارجيّ. لا يتعجّل سفرا، ولا يتبطّأ إقامة. يمضي ويمضي إلى إطلالة تعقبها إطلالة قد يمجد’ بها، وقد تشرف’ به، قضى حيث هو أياما بعدد عظيمات قطٍّ بالغ وفقرات عموده الفقري، ثم دقّت الساعة وما كانت لتدقّ لولا توقيتها البيولوجي؛ وأطلّ.
أطلّ وما كاد يبتدئ حتى انتهى)).
أتمنى أن أجد ما يغريني ويحملني على كتابة قصة قصيرة هي نفسها قُصَيْصِصَة: الإنبات الغيبي لإظهار الضغط عمليا في النص المذكور الذي أراه بأم عيني الثالثة، أتمنى ذلك، كما أتمنى كتابة القُصيْصيصة، ثم استخراج قصة قصيرة منها، أتمنى كتابة القصة القصيرة بنفس أجرام القصيصيصة، يكون البدء بالقصة القصيرة فما فوقها حتى الوصول إليها ..
وأما القُصَيْصَة فهي نص يختزل في عشرة أسطر محاكاة لنص:
ضريبة الظلام
(قُصَيْصَة مَمْدَرية)
((في حديقة مهملة تتّخذها مِهادا، وتحت سقف من سكّة التبّانة تتخذ منه غواشا؛ أرمقها كل يوم وأنا أغدو إلى مقهى فان كوخ.
تحتمي بحديقتها لمجاورتها ولاية أمن طنجة، من مكاتب الكوميساريا ومن جميع طوابقها المطلة على الحديقة ُترى وتشاهَد من طرف الضباط ورجال الأمن، وتكاد ترى من ساكنة طنجة عند ترددها على مؤسسات عمومية للجمارك والأشغال العمومية .. ؛ المحيطة بالحديقة، حديقة بطول ارتفاع برج القاهرة أو تكاد، وعَرْض ’سمْك سور الصين العظيم أو يكاد.
أسميها فاطمة التي فاجأتني تكبر من غير سبب، وتسرع في عمرها من غير مبرر، فاجأتني بحملها وبترديدها: ليتني كنت الأرملة السوداء، ثم بصبيّة تلعب بين يديها، ثم بغياب ابنتها عنها ولا أدري أين ِسيقت.
تغيب عني فاطمة وتحضر. غاب عن عيني كثير من صديقاتها قضين من البرد والجوع وشرب الكحول .. وبقيت فاطمة. أرمقها وسط المدينة. تستعطي عند حائط غرفة الصناعة التقليدية فتبتاع الكحول لتشربه ممزوجا بالماء، ثم تفقد وعيها وتتبوّل على لباسها وتعجز عن الحركة فتسقط يابسة مكانها؛ غائبة عن وعيها، وحين تفيق تقاتل تحجّرها متمسِّكة بسقط طاقة باقية تستعطي هي الأخرى لإنقاذها، ’تكرِّر ذلك ولم تزلْ، ويكاد الموت يغيِّبها عنيّ)).
القُصَيْصَة كما قلنا بديل للقصة القصيرة جدا، كما أنها بديل للقصة الومضة أيضا.
¥