تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من حوله , فقد هوى ركن ركين فيه!

سقيف = الحد الموجع لما لا حد له ولا انتهاء!

طريف = الوليد: (كل ما سبق ولحق).

سيوف = القوة.الشهرة. العلو.

شريف = العلو.السموالروحي والمادي.

ألوف = القيمة المفقودة.الفقد.مفارقة بين القيمة والمرغوب!

*****

بتلِّ بتاتى رسم قبرٍ كأنّه =على علمٍ فوق الجبال منيفِ

(تلّ بتاتى: اسم الموضع الذي دفن فيه الوليد).

التلّ يسمو بمن فيه؛ فيغدو علمًا منيفًا على كل الجبال ,هذا فعل الوليد وهو ميت , وهكذا كان في حياته؛إنه يغيّر حقيقة الأشياء حيّا وميّتا؛ فيمنحها ما

ليس فيها من سمات الهيمنة والعلوّ والشهرة السموّ, حتى وإن بدت قبله بضد

ذلك ,إنه يتداخل معها (منيف = طريف: ابن طريف) فيخلع عليها من

سماته وصفاته!

إن القبر يتهيأ لاستقبال عظيم؛ فلابد أن يتسع لمثله؛وذاك أنه:

تضمَّن جوداً حاتمياً ونائلاً= وسَورة مقدامٍ وقلبَ حصيفِ

هذا الوليد العظيم يجود بكل شيء على كل شيء؛ فهو في ذاته أقصى ما بلغه

الجود, وأقصى ما تبلغه الشجاعة والإقدام من أهلهما, وأعلى ما يسمو إليه الحصيف (والحصيف: مُحْكَمُ العَقْلِ، مَتِينُ الرَّأْيِ، علَيّ النَّسَبِ) وهوأيضًا

الْفَرَسُ: إِذا مَرّاً سَرِيعاً، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ وأَنشَدَ: للرَّاجِزِ، وهو العَجَّاجُ:

ذَارٍ إِذَا لاَقَي الْعَزَازَ أَحْصَفَا

وإِنْ تَلَقَّى غَدَراً تَخَطْرَفَا) "تاج العروس". (تناسب صاحبنا رؤبة).

فها هي صفات العلو والسمو التي قلتُ إن السياق مشبّع بها, وهو نزوع

يلحّ في هذا المقام ليرفع القبر وصاحبه عن المنزلة الحسية (الحفرة) إلى

المنزلة المعنوية الراقية في مدارج السمو الإنساني والمثل العليا, التي لا

يحط من شأنها أنه قد تردّى إلى هذا المنزل الأدنى؛

فإن يك أرداه يزيدُ بن مَزْيَدٍ = فيا ربّ خيلٍ فضَّها وصفوفِ

والتردّي يكون من سمات الفارس والفرس , وهو امتداد لحضورهما بهذه

الدلالة في البيت السابق , فبناء الشعر هنا محكم حصيف ,ولا يليق بمن كان

في مثل ذاك السمو ّ والعلوّ إلا أن يوصف هلاكه بالتردّى؛ فإنه قد هوى من

مكان عليّ كما تهوي النجوم, ولا يقال تردّى إلا لما تهوّرمن علو, قال الليث:

التّرَدِّي هو التَّهَوُّر في مَهْواةٍ ,وليس العلم المنيف عنا ببعيد كما في البيت

الأول , والتردّي السقوط من الأعلى إلى الأدنى , (تردّى من الجبل تَرَدِّياً

ويقال: رَدى في البئر وتَرَدَّى إذا سَقَط في بئرٍ أَو نهرٍ من جبَلٍ)،فالكلام هنا

يأخذ بعضه بحجز بعض؛ لترى المنيف والحصيف وهما قافيتا البيتين

الأولين متمكّنتين في سياق البيت الثالث أشدّ التكمن, وهو تمكّن يطيل أمد

انسكاب الروح في هاوية الحزن التي تمتد بامتداد الجبل المنيف الذي هوى

والقلب الحصيف الذي تردّى! فلا نملك إلا أن نرى روح ليلى الهاوية على

إثره في نغمٍ شجيّ يأخذنا معها في ذلك الهُويّ ,فيمتلىء فضاء مابين المنيف

والقبر صراخًا وعويلا, مشهد صوتيّ حركيّ تعجز عن تصويره قدرات

أعظم المصوِّرات وأقدر مخرجي (الدراما).

والبيت يمدنا بعد ذلك بما لا يخطر على بال؛ فيزيد بن مزيد فاعل الردى بسيّد الرجال! ـ يحكي حساب أفراس وفرسان (تأملوا يزيد ومزيد وعلاقتهما بالكثرة

والزيادة)؛فكم أردى الوليد من (خيل ... وصفوف) وتحضر هنا صورة

الفرس المتردي مع صورة الفارس, وهي الصورة التي كوّنت جزءا من

المشهد في البيت السابق, لتهمس إلينا هنا: إنّ الواحد الذي تردّى قد أردى

أفراسًا وفرّق صفوفا! لا في حياته فحسب , بل وبعد موته أيضا , فلم يُنل منه

إلا بـ (يزيد بن مزيد!) ... إنه العلو والسمو والقوة التي لا تؤخذ إلا

بالقوة: التردّي (والعرب حين تصف قتلاها في الحروب بالتردّي تشير إلى هذا

المعنى).وإنه لأمر يستنفر الكثرة ويستحضر العترة, فأين قوم ابن طريف؟

أين هم؟:

..

..

..

..

ألا يا لَقومي للنوائبِ والردى = ودهرٍ ملحٍّ بالكرامِ عنيفِ

ويمتد الصوت هنا مع نداء القوم ليتسق مع امتداد الهُويّ والصراخ ,ولكنه

نزع عنيف إلى الأدنى؛ فالشأن في حال الوليد في سموّه وعلوّه وتمكنّه في

مكانه ذاك أن يُنزع نزعًا عنيفًا لا ينفع معه لين ,والنازع هنا ملحٌّ في طلبه

لا يرحم ولا يتوانى, والنزع مؤلمٌ فكيف إذا كان عنيفًا بيدٍ ملحاح! وهو بعد

ذلك الدهر الموصوف في الذاكرة الجاهلية بالشدة والبأس والقهروالقسوة (

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير