تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي صورة جاهلية للدهر لا يقرها الإسلام, لكنها بقيت في بعض أشعار أهل الإسلام).

ثم لا تلبث الصورة الماثلة في السياق وهي جذر السياق في هذه الابيات:

صورة ذاك البطل الذي تردّى من عليائه ـ لا تلبث أن تتبدّى لنا في صورة

فراق حبيبين: شمس وقمر لا يتفقان في الحضور والغياب ,مع أن الكون

العاشق بهما يدور , وحال الحياة إليهما يصير:

وللبدر من بين الكواكب قد هوى = وللشمس همّت بعده بكسوفِ

فالبدر (الوليد) الذي هوى في حالك هاوية الحزن, وفي ظلمة الروح العالية بذكره وسموّ روحه, لا تلبث الشمس بعده أن تفقد معنى الحياة فتكسف , فحالهما في هذا العلوّ والهويّ سواء!!

يالهذه الـ ليلى؛ كيف تأتّت إلى هذه الصورة البديعة من صور الإخاء

السامي والتفرق الدامي!!!!

ولكنه لم يكن ـ في عينها ـ سيد السماء فحسب! بل سيد الأرض أيضا؛ فهو الليث؛ بل كل الليث:

ولليثِ كلِّ الليثِ إذْ يحملونه = إلى حفرةٍ ملحودةٍ وسقيفِ

ولكي يحتفظ السياق بفكرة الهويّ (الجذر المعنوي الرئيس فيه) فالليث هنا

محمول , والمحمول هنا كل الليث , فهذه: إذ يحملونه: تستوقف الناظر

ليتأمل مشهد المحمول العالي وهو يتردّى في حفرته!! وهنا يضج القبر

بالنحيب لهذا الحدث الجلل , وتحضر صورة الموت؛ لتبعث في مخيلة ليلى: أنّ الكون كله لا بد أن يشعر بهويّ ذلك البدر , ولنا أن نستشعر هنا ما

يمكن تسميته الجناس الخفي (المعنوي) بين ذكر البدر (بمافيه من ملامح

الحياة) والقبر (بما فيه من صور الموت) والقبر هنا حاضر بلفظ (حفرة

ملحودة وسقيف)!! هذا التداعي لا يلبث أن يوجه نداءً صارخًا إلى كل حياة

لم تتوقف بتوقف الحياة في ابن طريف:

أيا شجر الخابور مالكَ مورقاً = كأنّك لم تجزع على ابن طريف

والشجر يأخذ في دورة حياته سبيلًا يتجه من الأدنى إلى الأعلى, و وكأن تلك

النقطة التي انتهى عندها السياق بذكر الحفرة قد بعثت فكرة الحياة من أصل

فكرة الموت واستدعت في عبقرية شعرية لا توفرها غير هذه اللغة العبقرية,

وأولئك الأحياء الذين كانوا يلونون بها صور الحياة والموت معًا!

إن الشجرالذي ينطلق من باطن الأرض في مكانٍ خفي ليهب الحياة ليس

بأعظم شأنًا من ذاك البطل الذي سما في فضاء كرمه وشرفه وعزمه

وحزمه ونبله فكان الحياة للأحياء ,

فماباله مورقًاااااااااااااااااااااااا!!!!

وفي نسق آخر: الكون كله حزين على ابن طريف فما بال شجر الخابور؟!!!!

ولذكر شجر الخابور خصوصية في هذا السياق ليست خصوصية المكان

الذي دفن فيه الوليد فحسب؛ بل هي أعمق من ذلك وأدق؛ وذاك أن هذا

الفرع من فروع دجلة (الخابور) قد كان في زمن ابن طريف ـ من أكثر فروعه جفافًا , ولقد يمرّ عليه أشهر ومافيه ماء؛

فما له مورقاااااااااااااااااااااااااااااااا؟

وتسّاقط هنا مع ليلى دموع لا تجف!!!

على:

فتىً لا يعدُّ الزاد إلا من التقى = ولا المال إلا من قناً وسيوفِ

وهذه هي الروح العالية في أسمى معانيها: التقوى! وهذه القنا المرتفعة في

سبيلها ,والسيوف الشهيرة , صورة أخرى من صور العلوّ والسموّ, والسياق

ينطق حيث استنطقته بكل مفردات هذا المعنى! وهذه الروح التي استشرفت

لمعالي الأمور في الحياة لابد أن تكون غرضًا لسهام الموت؛

فلا تحزنا يا ابني طريفٍ فإنني = أرى الموت نزّالاً بكلّ شريفِ

هذا شأن سهامه تصيب الأعالي الشريفة!! والشرف من كل شيء العالي!

وهو نزّال؛لأن تلك النفوس الكريمة (ونستحضر هنا:تضمّن جودًا حاتميًا)

هي أكثر النفوس استقبالًا لها!! لنصرخ عندئذ على إثر كلّ شريف باكين

متوجعين:

فقدناك فقدان الربيع وليتنا = فديناك من دهمائنا بألوفِ

والفقد هنا فقد للربيع: الزمان الذي يهب الحياة أجمل صورها!

والفقد هنا رداء فضفاض تُلبِسه ليلى بنت طريف كل الأحياء بعد الوليد؛

فليس فيها إلا الدهماء , مات الشرف والشرفاء بموته , فهل نفديه بألوف من

الدهماء , إنه تقرير موجع في صورة تمنٍ يتسلّل إليه استفهام: ليتنا فديناك من دهمائنا بألوف! هل يغني أن نفديك من دهمائنا بألوف؟!

ويعم الفقد هنا كلّ شيء حتى الفداء يعزّ ويُفقد , وليس يحضر في هذا المقام

الباكي, والنشيج الشاكي, إلا بيت ابن الرومي الذي ما قرأته إلا حارت

الدمعة في عينيّ حيرة ابن الرومي وهو يستدعيها ويدافعها:

أبنيّ: إنّك والعزاء معًا بالأمس ضُمّ عليكما كفن

مات كلّ شيء بموتك , وفقدت كل شيء بفقدك؛ حتى العزاء الذي يفزع إليه

الأحياء عند الموت!!

هذا بعض وقع الروح على الروح , ونزف الجروح على الجروح, وشيء

من نبض لغتنا المغيّب في عقول وحسّ أبنائها!!

ليته يقوم فيها؛ لنقوم من عثرتنا!!

وكم هيّجت ليلى من الدمع بعدها = فقلتُ ألا ياعين فابكي بكاءها!

فقد تلتقي الأرواح بالدمع إذ جرى = كما اشتاقت الأنهار في الجدب ماءها!

وقد ينكؤُ الجرحَ الجراحُ فما درت = وربّك في أي الجروح دماءها!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير