تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ)

ـ[شاكر]ــــــــ[29 May 2009, 08:45 م]ـ

(جنات تجري من تحتها الأنهار). . (خالدين فيها). . (نزلا من عند الله). . (وما عند الله خير للأبرار). .

آل عمران:198

إن الله - سبحانه - في موضع التربية ,

وفي مجال إقرار القيم الأساسية في التصور الإسلامي لا يعد المؤمنين هنا بالنصر ,

ولا يعدهم بقهر الأعداء ,

ولا يعدهم بالتمكين في الأرض ,

ولا يعدهم شيئا من الأشياء في هذه الحياة. .

مما يعدهم به في مواضع أخرى , ومما يكتبه على نفسه لأوليائه في صراعهم مع أعدائه.

إنه يعدهم هنا شيئا واحدا. هو (ما عند الله).

فهذا هو الأصل في هذه الدعوة.

وهذه هي نقطة الانطلاق في هذه العقيدة:

التجرد المطلق من كل هدف ومن كل غاية ,

ومن كل مطمع

- حتى رغبة المؤمن في غلبة عقيدته وانتصار كلمة الله وقهر أعداء الله -

حتى هذه الرغبة يريد الله أن يتجرد منها المؤمنون , ويكلوا أمرها إليه ,

وتتخلص قلوبهم من أن تكون هذه شهوة لها ولو كانت لا تخصها!

هذه العقيدة:

عطاء ووفاء وأداء. . فقط.

وبلا مقابل من أعراض هذه الأرض ,

وبلا مقابل كذلك من نصر وغلبة وتمكين واستعلاء. .

ثم انتظار كل شيء هناك!

ثم يقع النصر , ويقع التمكين , ويقع الاستعلاء. .

ولكن هذا ليس داخلا في البيعة.

ليس جزءا من الصفقة.

ليس في الصفقة مقابل في هذه الدنيا.

وليس فيها إلا الأداء والوفاء والعطاء. . والابتلاء. .

على هذا كانت البيعة والدعوة مطاردة في مكة ;

وعلى هذا كان البيع والشراء.

ولم يمنح الله المسلمين النصر والتمكين والاستعلاء ;

ولم يسلمهم مقاليد الأرض وقيادة البشرية ,

إلا حين تجردوا هذا التجرد , ووفوا هذا الوفاء:

قال محمد بن كعب القرظي وغيره:

قال عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]

يعني ليلة العقبة ونقباء الأوس والخزرج يبايعونه [صلى الله عليه وسلم] على الهجرة إليهم:

اشترط لربك ولنفسك ما شئت.

فقال:" أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا. وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم ".

قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟

قال:" الجنة ". .

قالوا: ربح البيع. ولا نقيل ولا نستقيل. .

هكذا. . "الجنة ". . والجنة فقط!

لم يقل. . النصر والعز والوحدة. والقوة. والتمكين. والقيادة.

والمال. والرخاء - مما منحهم الله وأجراه على أيديهم -

فذلك كله خارج عن الصفقة!

وهكذا. . ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل. .

لقد أخذوها صفقة بين متبايعين ;

أنهي أمرها , وأمضي عقدها.

ولم تعد هناك مساومة حولها!

وهكذا ربى الله الجماعة التي قدر أن يضع في يدها مقاليد الأرض ,وزمام القيادة ,

وسلمها الأمانة الكبرى بعد أن تجردت من كل أطماعها , وكل رغباتها , وكل شهواتها ,

حتى ما يختص منها بالدعوة التي تحملها , والمنهج الذي تحققه , والعقيدة التي تموت من أجلها.

فما يصلح لحمل هذه الأمانة الكبرى من بقي له أرب لنفسه في نفسه ,

أو بقيت فيه بقية لم تدخل في السلم كافة.

(في ظلال القرآن)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير