تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التفسير العقدي لسورة عبس (المقطع الأول)]

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[27 Jul 2009, 06:44 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير العقدي لجزء عم

سورة عبس

المقطع الأول

عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)

سورة (عبس) سورة مكية , تتضمن مقاصد عظيمة منها:

المقصد الأول: بيان القيم الحقيقية.

المقصد الثاني: إثبات البعث وأهوال القيامة.

المقصد الثالث: تقرير توحيد الربوبية.

نزلت هذه السورة في حادثة جرت للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فقد كان يعرض الإسلام على عظماء قريش، وصناديدهم، من أمثال عتبة بن ربيعة , وشيبة بن الربيعة , وأبي جهل , وأمثالهم؛ رجاء إسلامهم، وطمعاً في استمالتهم، وإعزاز هذا الدين. وفي هذه الأثناء، أقبل عليه رجل أعمى، وهو عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم، رضي الله عنه، جاءه مسترشداً, ففي حديث عائشة، رضي الله عنها، أنه كان يقول: أرشدني , فيعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه, فيقول: هل قلت شيئاً فيه بأس , فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا. وكلح بوجهه، وقطب، وكره سؤاله، فأنزل الله هذه الآيات، التي لا يوجد لها نظير في القرآن العظيم، في العتب على النبي صلى الله عليه وسلم، وبَّين له القيم الحقيقية التي ينبغي أن ينبني عليها تقويم الإنسان للذوات، مهما كانت المصالح الموهومة.

(عَبَسَ وَتَوَلَّى): "عبس " أي كلح بوجهه، وقطب بجبينه, وهذا التعبير كناية عن الكراهة، والامتعاض من قدوم هذا السائل الأعمى، في هذا الحال.

ومعنى " تولى " أي أعرض، وصد عنه. فقد وقع منه صلى الله عليه وسلم حيال هذا الأعمى أمر باطني، وأمر ظاهري, فالأمر الباطني: دل عليه قوله " عبس " لأن هذا العبوس ينبئ عما قام في نفسه من الكراهة، وأما الأمر الظاهري: فهو الإعراض عن ذلك السائل.

(أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى): يعني أن الحامل له على ذلك، هو مجيء الأعمى. وقد وصفه الله تعالى بهذا الوصف " الأعمى " من باب حكاية الحال, وفي هذا دليل على أنه لا بأس بوصف الإنسان بما فيه على سبيل التعريف، لا على سبيل التعيير, ولم يزل العلماء يحتملون الألقاب المعرِّفة بأصحابها، كما نجد ذلك كثيراً عند المحدثين، كقولهم: الأعمش, والأعرج, والطويل، وغير ذلك, وذلك مما استثنى من الغيبة.

كما أن في وصفه بهذا الوصف " الأعمى ": فيه نوع إعذار له، بأنه ما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشغول بهذا الحال، إلا بسبب كونه أعمى, وربما لو كان بصيراً، ورأى اشتغال النبي صلى الله عليه وسلم، بمن بين يديه، لتريث إلى أن يفرغ.

ونلحظ نوع تلطف من الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم في العتاب، بأن ساق هذه الحادثة على سبيل الخبر، بالفعل الماضي فقال: (عبس وتولى) , ولم يقل: " عبست وتوليت ". وهذا يدل على أنه ينبغي لمن أراد المعاتبة، أو النصيحة، أن يتلطف ولا يعنف, فإن التعنيف قد يكون مدعاة لرد الموعظة، والنصيحة, فليتعلم الدعاة من ربهم كيف يعاتبون، وكيف ينبهون على الأخطاء.

(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى): أي ما يعلمك أنه قد يتزكى بسؤاله هذا , ومعنى (يزكى) التزكية هي التطهر من الآثام، والذنوب، والكفر، والفسوق، وغير ذلك, وأصله يتزكى. فلعله بسؤاله هذا، وقوله: أرشدني، علمني مما علمك الله، أن يتطهر. وذهب ابن زيد، رحمه الله، إلى أن معنى يزكى: يسلم! وأن ابن أم مكتوم حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مسلماً، فقصد بالتزكية في الآية، الإسلام. إلا إن سياق الآيات التالية يدل على أنه، رضي الله عنه، كان مسلماً إذ ذاك.

(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى): ومعنى الآية، مع التي قبلها، أنه لم يخله من حالين إحداهما " أن يزكى " والأخرى " أن يتذكر " وفي ذلك توجيهان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير