[توضيح حول التدبر]
ـ[محبة القرآن]ــــــــ[03 Sep 2009, 04:12 ص]ـ
- أولا: لا بد من بيان أن التدبر هو غير التفسير! هذا أمر مهم جدا! ونحن نعلم أن بعض العلماء المعاصرين قد استعملهما على سبيل الترادف. وهو غير صحيح!
فالتفسير بيان وشرح للمعنى، بينما التدبر اتعاظ بالمعنى واعتبار به وتذكر! وبينهما فرق كبير .. ! إن التفسير من الفَسْرِ، وهو: الكشف والبيان. ولذلك سمي بيان كتاب الله تفسيراً؛ لأنه يكشف اللثام عن معانيه اللغوية والسياقية والشرعية، باستعمال قواعد التفسير المعروفة عند أهله. وهذا هو علم التفسير.
أما التدبر - من التفعل – فهو: النظر إلى دُبُرِ الشيء، أي التأمل في دَوَابِرِ الأمور المتوقعة، بمعنى النظر إلى عاقبتها، وما يمكن أن تؤول إليه. كما يدخل فيه النظر في دوابر الأمور الواقعة من قبل؛ لمعرفة أسبابها ومقدماتها. وهذا لا يوجد في كتب التفسير إلا نادراً. لأنه - في الغالب - عمل قلبي شخصي، ونظر نفسي لا ينوب فيه أحد عن أحد. وهل يستطيع أحد أن ينوب عن غيره في الخوف والرجاء، أو في الكسل والنشاط؟ هذا ممتنع عقلاً وطبعاً وشرعاً! اللهم إلا ما تعلق بربط الأسباب بمسبباتها – على المستوى الخارجي - وما كان في معناه.
ثانيا: إن التدبر هو مرحلة ما بعد التفسير .. ! أي ما بعد الفهم للآية. لكن الفهم المطلوب لتحصيل التدبر إنما هو الفهم الكلي العام، أو بعبارة أخرى: الفهم البسيط. ولا يشترط في ذلك تحقيق أقوال المفسرين والغوص في دقائق كتب التفسير! وإلا صار القرآن موجها إلى طائفة محصورة فقط! ومن ثم يمكن لأي شخص أن يتدبر القرآن بعد التحقق من المعنى المشهور للآية، يقرؤها من أي تفسير أو يسمعها.
إن التدبر حركة نفسية باطنية! تنظر إلى صيرورة النفس في الزمان والمكان، بالنسبة إلى احتمالين: الأول احتمال متابعة القرآن والاستسلام لأحكامه وحكمه. والثاني: عكسه، وهو النكوص والتمرد والجحود والعصيان! ففي كلا الأمرين ينظر المتأمل إلى مآل الحال المحتمل! ذلك هو التدبر! ولذلك كان التدبر لغة – كما ذكرنا - نظراً إلى أدبار الحوادث ونتائجها، وربطا للأسباب بمسبباتها، فيما وقع وفيما يحتمل أن يقع، على المستوى النفسي والاجتماعي. في الخير والشر سواء! إنه إذن ضرب من المحاسبة للنفس في ضوء القرآن، والمراقبة لأحولها، في صيرورتها الذاتية والاجتماعية.
إن التدبر إذن هو نظر في الآية باعتبارها مبصاراً، يكشف عن أمراض النفس وعللها، ويقوم في الوقت نفسه بتهذيبها وتشذيبها. أي بتزكيتها وتربيتها.
ومن ثم فإنه يكفي المتدبر للقرآن أن يعلم المعنى العام للآية أو السورة، مما أُثِرَ عن جمهور السلف؛ ليدخل في مسلك التدبر.
ولا شك أن علم العالم وخبرة المفسر تعطيه فرصةً أكبر بكثير؛ لتعميق التدبر في الآيات، والوصول بها إلى أرقى منازل الإيمان! ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن غير المختصين بالتفسير، أو حتى العوام محجوبون من التدبر! إن غير العالم لن يعجز عن تدبر آية "الحمد لله رب العالمين" مثلا، والنظر في مآلات فعل الحمد في نفسه وفي المجتمع – على قدر طاقته طبعاً - وكذا مآلات نقيضه من النكران والجحود كيف يكون؟
وإن غير العالم إذا فسرتَ له أن "الفَلَقَ" هو الفجر؛ أمكنه آنئذ أن يتدبر قوله تعالى: ?قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ? (الفلق: 1 - 2) وكذلك إذا علم أن "الْجُدَدَ" هي: الطرق والمسالك الجبلية، وأن "الغَرَابِيبَ" هي: الصخور السوداء؛ أمكنه أن ينطلق في آفاق تدبر قوله تعالى: ?أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ? (فاطر: 27). ولقد تعمدت أن أمثل بهذه الكلمات القرآنية الغريبة إلى حد ما، وإلا فجمهور المعجم القرآني من الميسور المعلوم، بل إن كثيراً منه متداول في اللهجات العامية العربية!
¥