[تعريف (سبب النزول) ورأي الشيخ عبدالحميد الفراهي في ذلك.]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Jul 2009, 10:59 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام السيوطي: (والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة فإنَّ ذلك ليس من أسباب النزول في شئ، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك، وكذلك ذكره في قوله: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) سبب اتخاذه خليلا، فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى) (1)
وفي هذا التعريف قصرٌ للمقصود بأسباب النزول على ما نزل القرآن بشأنه وقت وقوعه لحادثة حدثت، أو سؤال يسأله أحدٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وقد تعقب الشيخ عبدالحميد الفراهي (2) كلام الإمام السيوطي رحمه الله فقال:
(ليس المراد من سبب النزول ما لأجله نزل الوحي. إنما هو شأن الناس وأمرهم والحالات والواقعات التي بينها وبين ما نزل نسبة وهذا هو معنى السبب في الصحيح من كلام العرب. ولذلك كانت القدماء يذكرون كل ما يتعلق بمضمون الآية، ولكن المتأخرين لم يفهموا منه إلا معناه المولد فضاق عندهم فحواه).
ثم أورد عبارة السيوطي السابقة، وعلق عليها قائلاً: (فأراد السيوطي رحمه الله أن لا يذكر من الأسباب إلا ما لأجله نزل الوحي. وأراد الواحدى أن يوسع السبب فيُدخلُ فيه كلَّ ما كان محلاً ومطمحاً للوحى.
وهذا الاختلاف إنما نشأ لاختلافهم في مراد لفظ السبب وإني أرى الصواب مع السلف؛ فإن المقصود من هذا العلم إنما هو فهم الكلام وتأويل مجمله، فإن القصة ربما لا تفصل تفصيلا لعلم المخاطبين بها. فلا بد للمتأخرين أن يعلموا شيئا من تفصيله، كما ترى في قصة أصحاب الفيل إنما ألمع إليها إلماعا، وهذا كثير في القرآن. ثم لما غيَّر المتأخرون معنى السبب وقعوا في إشكال، فانهم وجدوا الصحابة والتابعين كثُر اختلافهم في بيان أسباب النزول، ولا بأس به إذا كان المراد منه معناه الوسيع. ولكن المتأخرين لما وجدوهم يذكرون أمورا متباعدة في الزمان والمكان، والشيء الواحد لا يكون معلولا لعلل مختلفة لا سيما بهذا الاختلاف المتباعد لم يمكنهم الخروج عن الإشكال إلا بأحد الطريقين:
- إما بتعدد النزول.
- وإما بإجراء الجرح والتعديل في روايات صحيحة مسلمة.
وكلا الطريقين بادي الخلل، وفطن به بعض العلماء فاجتهد في إزاحة الاختلاف بقول متين يدل على دقة نظره وسلامة ذوقه. وهو الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي الشافعي رحمهم الله. فقال في كتابه المسمى بالبرهان في علوم القرآن كما نقله العلامة السيوطي رحمه الله في الإتقان: "قد عُرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها. فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع".
فرفع بهذا القول الاختلافَ فيما يذكرون من أسباب النزول. ولكنه رحمه الله لم يتعرض لما لا اختلاف فيه، والمسألة مهمة لأمر أرفع من ذلك، وهو فهم القرآن وتعيين مراده. ومداره على معرفة أسباب النزول، فإنها تبين المجمل، وتعين بعض المحتمل. ومن نظر في كتب التفسير علم أن كثيرا ممّا يذكرون في الأسباب يبدل المعنى الظاهر، فكأن أسباب النزول ملكت أزمة التأويل فتصرفه حيث تشاء.
والعاقل المتقى الذي يرى القرآن أوثق عراه ويفر إليه عما سواه يرجف فؤاده أن يعدل عن ظاهر الكتاب وواضح معناه، فيترك ما أقام الله به حجته وأبان محجته إلى أمر مشتبه وروايات ضعيفة. وقال الله تعالى: (إن الظن لا يغنى من الحق شيئا) [سورة النجم /28] فإن الحق أبلج والباطل لجلج.
فلزم الاعتناء البليغ بالبحث والتنقيب في هذا العلم العزيز، ووجب أن تؤسس أصوله وتشيد قواعده، فيجمع من الأسباب ما كان حقا ويبطل ما كان باطلا.
فنقول أولا ما هو المراد من أسباب النزول، ونعود إلى تفسير معناها وتحديدها، لتتضح شدة الحاجة إليها.
(تعريف أسباب النزول)
¥