[القرآن والصيام]
ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[22 Aug 2009, 02:43 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
فُرض الصيام في الشهر الذي أنزل فيه القرآن، فاختيرت هذه العبادة الخاصة التي هي سر بين الله وعبده لهذا الزمن الخاص الذي شرُف بنزول هذا الكتاب الخاتم لكتب الله.
الغاية المرجوة من الصيام (التقوى): (كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، والقرآن الكريم هُدى للناس إلى التي هي أقوم، فهو الميسَّر للذكر، ولكنَّ له هدايةً خاصة للمتقين: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)، ولذلك ما ترى الهدى ذكر مرتين في آية الصيام: (شهر رمضان الذي أنزل في القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، والفرقان مزية خاصة للمتقين: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)، فيظهر أن فرض الصيام في شهر نزول القرآن تهيئة للانتفاع بالقرآن بالتزود من التقوى في هذا الشهر لكل العام.
والتقوى الاجتهاد في حفظ النفس من المضار المحيطة بها والعارضة لها في طريقها في هذه الدنيا، ومن النكال المعد للظالمين في الآخرة، بتحري مرضاة الله، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصوم جُنة، أي وقاية. وإنما يعرِّض الإنسان إلى الآفات جواذب الطين الذي خلق منه، وذلك الشهوات المفطور عليها، وبها قوام حياته، فإذا أشبعها وَفْق الناموس الإلهي وُقي شرها، وإن ملَّكها زمامه، وجعلها القائد له، ولم يبال بحلال أو حرام - أوردته المعاطب، وكانت حُجُبًا كثيفة بينه وبين الحق، وظلمة تُزل الأقدام، وتُضل الأفهام. وليس الأكل والشرب والباه إلا مبادئ ومواد لشهوات نفسية أخرى كالغضب والشح والاستعلاء. والصوم تدريبٌ على امتلاك الهوى، وإعلاءِ نفخة الروح، والارتفاع على مقتضيات الطين، وتزكيةِ النفس وتخفُّفها من ثقل التراب، فتكون مهيأة لتدبر الوحي، والادِّكار بتذكيره، والاتعاظ بموعظته، والاستشفاء بشفائه.
وإنما كان الصيام مظنة لتحقيق التقوى لثلاثة أمور:
- أحدها أن فيه تجديدَ الإيمان، والإيمان يخلَق بالعصيان والنسيان، ويتجدد بالطاعة والذكر، والصيام طاعة خاصة؛ لأن فيها بعض المشقة، فلا تكون إلا بالصبر، حتى سمي شهر رمضان في بعض الأحاديث بشهر الصبر.
- والثاني أن فيه إحياءً للإخلاص، لأنه عبادة بالامتناع، ويمكن للمرء أن يتناول المفطرات سرًّا ولا يطلع على إفطاره الناس، فإذا صام امتثالاً للأمر، ومراقبة لله، كان هذا من أقوى موقظات الإخلاص في القلب، وهو ما تشير إليه الأحاديث: (يدع شهوته من أجلي)، (إلا الصوم فإنه لي).
- والثالث أن فيه إشعارًا بأهل العوَز، والمواساةُ هي الجزء الآخر من الأخلاق الإسلامية، فهي لا تكتفي في التزكية باستقامة النفس، حتى تكملها مواساة الناس.
ومن ههنا كان شهر رمضان موسمًا سنويًّا لمدارسة القرآن، وكان رسول - صلى الله عليه وسلم - يدارس فيه جبريل القرآن كل ليلة، وسَن في لياليه القيام بالقرآن، فتكون عبادة نهاره الصيام، وعبادة ليله القيام. والأصل في القيام أن يكون بتلاوة القرآن في الصلاة، فقد قال الله - تعالى -: (يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلاً، نصفه او انقص منه قليلا، أو زد عليه، ورتل القرآن ترتيلا)، وجاء في آخر السورة: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن).
وفي قوله - تعالى -: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه) - ما يشير إلى أن الصيام في هذا الشهر المفضل بنزول القرآن شكر لله على هذه النعمة، فقد عدَّد النعمة في القرآن تمهيدًا للتصريح بإيجاب الصوم فيه، وأكد هذا آخر الآية: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم، ولعلكم تشكرون).
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشكر الناس لله كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل يدارسه القرآن، حتى يكون كالريح المرسلة من جوده، شكرًا لله، وفرحًا بنعمته، يقابل إحسان الله إليه بالإحسان إلى خلقه. (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين. قل: بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون).
بنغازي 20 - 8 - 2009