[أجوبة العلماء على قول من قال لم يأت للعرب نذير على ظاهر بعض الآيات]
ـ[جاسم آل إسحاق]ــــــــ[31 May 2009, 11:59 ص]ـ
قال تعالى في سورة يس (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون)
وسورة القصص (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك)
وسورة السجدة (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك)
وسورة سبأ (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير)
استدل خاتمة المفسرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بهذه الآيات على أنه لم يأت للعرب نذير ولم تقم عليهم الحجة، وهم من أهل الفترة.
وللعلماء أجوبة، وهي:
الأول:
أن النفي لأن الدعوة لم تباشر الذين بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأتهم نذير يشافههم بالنذارة، فيكون النفي عن القوم المعاصرين له، وهذا قال به ابن عادل الحنبلي وابن عطية الأندلسي، وأبو حيان، والرازي، وابن جزي، و البقاعي، والألوسي، وهذه سياق أقوالهم:
قال ابن عادل الحنبلي10/ 345:
لا يوجب أن يكون الرَّسُول حاضراً مع القوم؛ لأنَّ تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسُولاً إليهم، كما لا يمنع تقدُّم رسولنا، من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد.
وقال أيضا15/ 472:
وقوله: (وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ) أي إلى هؤلاء المحاضرين لك لم ترسل إليهم أي لم يأت العرب قبْلك نبي ولا نزل عليهم كتاب ولا أتاهم نذير يشافههم بالنّذارة غيرك، فلا تعارض بينه وبين قوله: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) إذ المراد هناك آثار النذير،ولا شك أن هذا كان موجوداً يذهب النبي وتبقى شريعته.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز 4/ 412:
وقوله (ما أتاهم من نذير) أي لم يباشرهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العرب وقوله تعالى: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) يعم من بوشر من النذر ومن سمع به فالعرب من الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه لأنها علمت بإبراهيم وبنيه ودعوتهم وهم ممن لم يأتهم نذير مباشر لهم سوى محمد صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس ومقاتل المعنى لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال أيضا 4/ 501:
وقوله تعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) معناه أن دعوة الله تعالى قد عمت جميع الخلق وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى نبيه ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم والآيات التي تتضمن أن قريشا لم يأتهم نذير معناه نذير مباشر وما ذكره المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم فإنما ذلك بالفرض لا أنه توجد أمة لم تعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله.
قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط 7/ 192:
والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر، بل يكون نذيراً لمن باشره، ولغير من باشره بالقرب ممن سبق لها نذير، ولم يباشرهم نذير غير محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس، ومقاتل: المعنى لم يأتهم في الفترة بين عيس ومحمد، عليهما السلام.
وأبو حيان يختار أن ما موصولة حيث قال: (مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ) أن ما نافية، وعندي أن ما موصولة، والمعنى: لتنذر قوماً العقاب الذي أتاهم.
قال الرازي17/ 261:
لأن تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسولاً إليهم، كما لا يمنع تقدم رسولنا من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد. وتحمل الفترة على ضعف دعوة الأنبياء ووقوع موجبات التخليط فيها.
قال ابن جزي في التسهيل3/ 157:
كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله: (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ)؟ فالجواب: أنهم لم يأتهم نذير معاصر لهم، فلا يعارض ذلك من تقدم قبل عصرهم، وأيضاً فإن المراد بقوله: (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست ببدع فلا ينبغي أن تنكر، لأن الله أرسله كما أرسل من قبله والمراد بقوله: (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ) أنهم محتاجون إلى الإنذار، لكونهم لم يتقدم من ينذرهم فاختلف سياق الكلام فلا تعارض بينهما.
ونقل عنه البقاعي في نظم الدرر4/ 368.
قال الألوسي في تفسيره 15/ 145:
واختار البعض أن المراد بهؤلاء القوم العرب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم إذ هم الذين يتصور إنذاره عليه الصلاة والسلام إياهم دون أسلافهم الماضين ولعله الأظهر.
¥