تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ما قيل في التناسب بين فاتحة المصحف وخاتمته]

ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[01 Jun 2009, 06:34 ص]ـ

التناسب بين فاتحة المصحف وخاتمته

هذا مبحث لطيف في بابه حريٌّ أن يحتفى به، ولعله يكون فاتحة للطائف من العلم مخبوءة في صدور الذين أوتوا العلم فيبدونها على منهاج التدبر القويم المتحلي بالنظر الثاقب والفهم الصائب المتخلي عن التكلف المذموم والتعسف المشؤوم.

فكم من كلمة أثارت فكرة، وفكرة أورثت تفكراً، وتفكر أحدث تذكراً، وتذكر أثمر خشية ويقيناً وإخباتاً وتسليماً

سيذكر من يخشى، وإنما يتذكر من ينيب، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

قالَ عَطِيَّةُ مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (وإذا كانَ الشيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَد نَبَّهَ على مُراعاةِ خاتِمَةِ الْمُصْحَفِ، فإنا لو رَجَعْنا إلى أوَّلِ الْمُصْحَفِ وآخِرِه لوَجَدْنَا رَبْطاً بَدِيعاً؛ إذ تلك الصفاتُ الثلاثُ في سُورَةِ الناسِ مَوجودةٌ في سُورَةِ الفاتِحَةِ، فاتَّفَقَتِ الخاتِمَةُ معَ الفاتِحَةِ في هذا المعنى العظيمِ؛ إذ في الفاتِحَةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} و (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، فجاءَتْ صِفةُ

الرُّبوبيَّةِ والْمُلْكِ والأُلُوهِيَّةِ في لَفْظِ الْجَلالةِ.

وتكونُ الخاتِمَةُ الشريفةُ مِن بابِ عَوْدٍ على بَدْءٍ، وأنَّ القرآنَ كلَّه فيما بينَ ذلك شرْحٌ وبيانٌ لتقديرِ هذا المعنى الكبيرِ.

وسيأتي لذلك زيادةُ إيضاحٍ في النهايةِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى). [تتمة أضواء البيان: 9/ 358 - 359]

وقالَ أيضاً: (أمَّا الوِجهتانِ اللتانِ نَوَّهْنَا عنهما، فالأُولَى بينَ السورتيْنِ، وهي مما أَوْرَدَهُ أبو حَيَّانَ؛ إذ في سُورَةِ الفلَقِ قالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ورَبُّ الفَلَقِ تُعَادِلُ قولَه: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]؛ لأنه ما مِن مَوجودٍ في هذا الكونِ إلاَّ وهو مَفلوقٌ عن غيرِه.

ففي الزرْعِ: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: 95].

وفي الزمنِ: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} [الأنعام: 96].

وفي الحيوانات: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء: 1].

وفي الْجَماداتِ يُشِيرُ إليه قَوْلُهُ تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 30 - 31].

فرَبُّ الفلَقِ تُعَادِلُ ربَّ العالَمِينَ، فقابَلَها في الاستعاذةِ بعُمومِ الْمُستعاذِ منه مِن شَرِّ ما خَلَقَ.

ثم جاءَ ذِكْرُ الْخَاصِّ بعْدَ العامِّ للاهتمامِ به، وهو مِن شَرِّ غاسِقٍ إذا وَقَبَ والنفَّاثاتِ في العُقَدِ وحاسِدٍ إذا حَسَدَ.

فالمُستعاذُ به صِفَةٌ واحدةٌ، والْمُستعاذُ منه عُمومُ ما خَلَقَ جُملةً وتَفصيلاً، بينَما في السُّورَةِ الثانيةِ جاءَ بالْمُستعاذِ به ثلاثَ صفاتٍ، هي صِفاتُ العَظَمَةِ للهِ تعالى: الربُّ والْمَلِكُ والإلهُ.

فقابَلَ الْمُستعاذَ منه، وهو شيءٌ واحدٌ فقط، وهو الوَسواسُ الْخَنَّاسُ، وهذا يَدُلُّ على شِدَّةِ خُطورةِ الْمُستعاذِ منه.

وهو كذلك؛ لأننا لو نَظَرْنَا في واقِعِ الأمْرِ لوَجَدْنَا مَبْعَثَ كلِّ فِتنةٍ ومُنْطَلَقَ كُلِّ شَرٍّ عاجِلاً أو آجِلاً لوَجَدْنَاهُ بسَبَبِ الوَسواسِ الْخَنَّاسِ، وهو مُرْتَبِطٌ بتاريخِ وُجودِ الإنسانِ.

وأوَّلُ جِنايةٍ وَقَعَتْ على الإنسانِ الأَوَّلِ، إنما هي مِن هذا الوَسواسِ الْخَنَّاسِ، وذلك أنَّ اللَّهَ تعالى لَمَّا كَرَّمَ آدَمَ فخَلَقَه بيَدِهِ وأَسْجَدَ الملائكةَ له وأَسْكَنَه الْجَنَّةَ هو وزَوْجُه لا يَجُوعُ فيها ولا يَعْرَى ولا يَظْمَأُ فيها ولا يَضْحَى، يَأكلانِ منها رَغَداً حيثُ ما شاءَا إلاَّ مِن الشجرةِ الْمَمنوعةِ، فوَسْوَسَ إليهما الشيطانُ حتَّى أَكلاَ مِنها ودَلاَّهُمَا بغُرورٍ، حتى أُهْبِطُوا منها جميعاً بعضُهم لبعْضٍ عَدُوٌّ.

وبَعْدَ سُكْنَاهُما الأَرْضَ أَتَى ابْنَيْهِمَا قابيلُ وهابيلُ فلاَحَقَهُما أيضاً بالوَسوسةِ، حتَّى طَوَّعَتْ نفْسُ أحَدِهما قَتْلَ أخِيهِ فأَصْبَحَ مِن النادمينَ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير