[الاسم الصحيح لتفسير الطبراني .. وتعيين مؤلفه]
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[28 Jun 2009, 12:44 ص]ـ
مجلة بصائر - الرياض - العدد الثاني - رجب 1430
يُشَكِّكُ كثيرٌ من المحققين والمختصين بالدراسات القرآنية في صحة نسبة التفسير المطبوع باسم (التفسير الكبير) إلى لإمام الطبراني المحدث (ت360هـ) رحمه الله (1) , ويذهبُ أكثرهم إلى عدم صحة نسبته إليه (2) , ثم اجتهدوا في تحديد مؤلفه في ضوء إشارات من نصوص هذا التفسير وتراجم بعض المفسرين , فمنهم من ينسبه للفقيه عبد الصمد بن محمود الغزنوي الحنفي (ت723هـ) (3)؛ صاحب (تفسير الفقهاء وتكذيب السفهاء) , ومنهم من ينسبه لأحد الأحناف المتأخرين بلا تحديد (4) , وكلاهما حاول واجتهد؛ فأصابا في عدم صحة نسبته إلى الإمام الطبراني , وابتعد عن الإصابة من نسبه للغزنوي , وقارب من نسبه لأحد متأخري الأحناف ولم يُحدِّد.
والصواب الذي نحمد الله على التوفيق إليه هو أن التفسير المطبوع منسوباً إلى الإمام الطبراني ليس إلا نسخة من نسخ تفسير أبي بكر الحدَّاد اليمني الحنفي المتوفى سنة (800هـ) , والموسوم بـ: (كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل) (5) , وهو ما سأبينه بإذن الله في هذه المقالة.
فبينما كنت أراجع تفسير آياتٍ من سورة النور في عددٍ من التفاسير؛ كان آخرها تفسير الحداد , تذكرت تفسير الطبراني وقد كان يُزّهِّدُني فيه قناعتي بعدم صحة نسبته إليه , فرأيتُ أن أراجعه لعلي أظفر منه بمفيد , ففوجئتُ بنص الكلام الذي قرأته قبلُ في تفسير الحداد , ونسيت بحثي الأول , وصرت أقارن بين أول كلمة في كلا التفسيرين , ثم مقاطع منه , ثم سور مختلفة منه , ثم طالعت نسخ المخطوط التي اعتمدها كلا المُحَقِّقَين فرأيتُ ما يأتي:
اعتمد الدكتور محمد إبراهيم يحيى في تحقيقه لتفسير الحدَّاد على ثلاث نسخٍ خَطيَّة؛ الثالثة منها نسخة مكتبة ستراسبورغ الوطنية الجامعية في فرنسا برقم (4174) , وفيها هوامش جانبية تدلُّ على قراءة ومقابلة , وفُرِغَ من نسخها سنة (964هـ) (6).
وهي النسخة الوحيدة التي اعتمدها هشام البدراني في تحقيقه لتفسير الطبراني , ولم يجد غيرها , واعتمد في نسبتها للإمام الطبراني على ما كتبه الناسخ في رأس الصفحة الأولى منه: (هذا كتاب تفسير فريد دهره وحكيم عصره شيخ الإسلام الهمام الشيخ الطبراني الكبير عن تفسير القرآن العظيم) (7).
ولا يخفى على محقق أن نشر الكتاب عن نسخة وحيدة فيه ما فيه من مزلّة القدم , ومظنة الخطأ (8) , وخطأُ الناسخِ في نسبة هذا المخطوط جَرَّ معه المحققَ باستعجاله , ولست الآن في مقام تعداد ما أخطأ فيه المحقق , وإنما أود الإشارة إلى أن الخلل حين يقع في منهجية التحقيق العلمي فإنه يورث جملةً من المجازفات والتناقضات في إخراج تراثنا العلمي , كما يشغل الساحة العلمية زمناً بما لا حاجة إليه من القراءة والرد والتعقيب , والتي تأخذ بحظِّها من أوقات المشاريع العلمية الجادَّة , ومن جهد المتخصصين والمحققين.
ولستُ أُبَرِّئُ أحداً من المُحَقِّقَين من ذلك الخلل:
- فأمَّا محقق تفسير الحدّاد فلم يستوفِ قراءة هذه النسخة الثالثة من المخطوط قراءةً نقديَّة؛ يدفع بها ما قد يؤثر في النسبة , كما لم يستوفِ وصف المخطوط وصفاً صحيحاً؛ فقد أغفل ما كتبه الناسخُ في أوَّل المخطوط وفي مواضع كثيرة منه؛ حين نسب هذا التفسير للطبراني , ولم يُشِر المحقق إلى ذلك بأي إشارة , وهذا وإن كان لا ضرورة له –ربما في اجتهاد المحقق- مع توافر نسخٍ أخرى تقطع بنسبة هذا التفسير للحدَّاد , إلا أنه من أدب التحقيق وهدي المحققين , ولو لم يكن فيه إلا ردّ غائلة من يأخذه على عِلاَّته ويشغل الناس به = لكفى به فضلاً وأهمية.
¥