[أثر التفسير بالمأثورفي التوجيه النحوي لايات القرآن - مقال منقول]
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[01 Aug 2009, 10:17 م]ـ
أَثَرُ التَّفْسِيْرِ بِالمَأْثُورِ في التَّوْجِيْهِ النَّحْوِيِّ لآيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيْمِِ (نَمَاذِجُ مِنْ تَفْسِيْرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في جَامِعِ البَيَانِ للطَّبَرِيِّ)
شريف عبد الكريم النَّجّار
مُقَدِّمة:
الإعْرَابُ والتَّفْسِيْرُ عِلْمَانِ مُتَدَاخِلانِ، فَكِلاهُما غَايَتُهُ أَنْ يَصِلَ إلى المَعْنى الصَّحِيْحِ، وكُلٌّ مِنْهُما يُؤدِّي إِلى الآخَرِ، فالإِعْرَابُ السَّدِيْدُ يُؤدّي إِلى نَظْرَةٍ صَحِيْحَةٍ في تَفْسِيْرِ الآيَةِ القُرآنِيَّةِ، والعَكْسُ كَذلِكَ، فالنَّظْرَةُ الصَّحِيْحَةُ في التَّفْسِيْرِ تُؤدّي إِلى إِعْرَابٍ صَحِيْحٍ، فُكُلٌّ مِنْهُما يُؤثّرُ في الآخَرِ.
وكَانَ التَّفْسِيْرُ بِالمَأثُورِ هو أَوّلَ أَنْوَاعِ التَّفْسِيْرِ وُجُودًا، وكَانَ وُجُودُهُ مُصَاحِبًا لِنَشْأَةِ النَّحْوِ، فالتَّفْسِيْرُ بالقُرآنِ والسَّنّةِ وأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِيْنَ كَانَ شَائِعًا في القُرُونِ الثّلاثَةِ الأُولى، وهذه القُرُونُ هي الّتي شَهِدَت نَشْأَةَ النَّحْوِ، وكَانَ لا بُدَّ للنُّحَاةِ الَّذِيْنَ عُنُوا بِتَوْجِيْهِ الآيَاتِ القُرآنِيَّةِ أَنْ يَتَأثَّرُوا بِهذا النَّوْعِ مِن التَّفْسِيْرِ؛ ولِذلِكَ وَجَدْنا كُتُبَ مَعَانِي القُرآنِ مَلِيئةً بِأَقْوالَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِيْنَ.
وقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ هذا البَحْثِ تَأثِيْرَ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُور عَلَى تَوْجِيْهِ الآيَاتِ القُرآنِيةِ عِنْدَ المُعْرِبِيْنَ، ووَسَمْتُهُ بِـ (أَثَرُ التَّفْسِيْرِ بِالمَأْثُورِ في التَّوْجِيْهِ النَّحْوِيِّ لآيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيْمِِ) مَدْفُوعًا بِعِدَّةِ أُمُورٍ: مِنْها بَيَانُ أَنَّ المَعْنى هو الأصْلُ في البَحْثِ اللُّغُوِيِّ، فالمُعْرِبُ لا بُدَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلى المَعْنى نَظْرَةً دَقِيقَةً قَبْلَ إِعْرَابِه، فإِعْرَابُهُ مِرآةٌ للمَعْنى، والمَعْنى يَأخُذُهُ مِن التَّفْسِيْرِ، ومِنْها الرَّغْبَةُ في إِظْهَارِ مَدى أَثَرِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ عَلَى تَوْجِيْهِ النُّحَاةِ لآيَاتِ القُرآنِ الكَرِيْمِ، ومِنْها إِظْهَارُ أَثَرِ سَيْطَرَةِ القَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ عَلَى النُّحَاةِ، وبُعْدِ بَعْضِهِمْ عَن المَعْنى، ومِنْها إِبْرَازُ العَلاقَةِ بَيْنَ النَّحْوِ والتَّفْسِيْرِ، فلِكِليهما مَنْبعٌ وَاحِدٌ، هو المَعْنى.
ويَنْدَرِجُ هذا البَحْثُ في مَوْضُوعِ السَّمَاعِ، فالاسْتِشهادُ بالقُرآنِ الكَرِيْمِ، وبالحَدِيْثِ النَّبَوِيّ، وبِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ والتّابِعِيْنَ مِن السَّمَاعِ، ولكنّي أَرَدْتُ مِنْ ذلكَ تَخْصِيصَ تَوجِيْهِ آيَاتِ القُرآنِ الكَرِيْمِ بِذلِكَ، وأَثَرَ ذلِكَ عَلَيْه.
ورَأَيْتُ أَنْ أَخْتَارَ مَجْمُوعَةً مِن الآيَاتِ القُرآنِيَةِ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، وكَانَ هذا الاخْتِيَارُ رَغْبَةً مِنّي في الوُصُولِ إِلى أَثَرٍ مَا للتَّفْسِيْرِ في التَّوْجِيْهِ النَّحْوِيِّ، فتَناوَلْت مَجْمُوعةً من الآيات رأيت فيها أَثَرًا واضِحًا للتّفسير بالمأثور، ورَأَيْتُ أَنْ أُحَدِّدَ تَفْسِيْرًا يُعْنى بِالتّفْسِيْرِ المَأثُورِ، فَوَقَعَ اخْتِيَارِي على كِتابِ ابنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ المَوْسُوم بـ (جَامِعِ البَيَانِ في تَأوِيْل القُرآنِ)، فلا شَكَّ أَنَّهُ أَبْرَزُ الكُتُبِ الّتي اهْتَمّت بالتَّفْسِيْرِ المَأثُورِ.
وكَانَ مَنْهجي في تناوُلِ هذه الآياتِ مبْنِيًّا على إبْرازِ أمرينِ، هما آراء أهل التّفسير بالمأثور، وآراء النّحاةِ، ورأيت أنْ أبدأ بآراءِ المفسِّرين في كلّ موضعٍ كي يدركَ القارئ المعنى للآيَةِ قبلَ تَوْجِيهِها نَحْوِيًّا، ثمّ أعْرِض آراءَ النُّحَاةِ في الآيَةِ، وبيَّنْتُ بعد ذلك العلاقَةَ بين الأمرين.
¥