تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(تأسيس أصول التفسير وصلته بمنظور البحث الأصولي) لعبدالرحمن الحاج]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 Aug 2009, 09:37 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا بحث للصديق الأستاذ عبدالرحمن الحاج وفقه الله ونفع به، نشره في العدد 37 - 38 من مجلة إسلامية المعرفة. أحببت نقله هنا للفائدة والمدارسة، مع الشكر والتقدير للأستاذ عبدالرحمن.

تأسيس أصول التفسير وصلته بمنظور البحث الأصولي

لعبدالرحمن الحاج

مقدمة

لا يكتسب البحث في أصول التفسير أهميته من منظور علمي وحسب، حيث إنهّ لا يزال علماً غير مكتمل أو غير واضح المعالم، بل يكتسب أهميته فوق ذلك من التفكير في مشروع النهضة والإصلاح الإسلامي، وكون موضوعه (فهم القرآن الكريم) المصدر الأول لكل تفكير في هذا المشروع، والعودة إلى هذا المصدر هو حاجة معرفية وتاريخية لتجاوز ثقل الثقافة التاريخية وفهومها التي تفصل بيننا وبين النص الكريم؛ ثم هو "تقليد" سارت عليه كل حركات الإصلاح الديني والسياسي في تاريخ الحضارة الإسلامية، فكل تفكير بالنهضة لا بد أن يتخذ موقفاً تجاه النص الكريم وفهماً يسوِّغ رؤيته، ولكن الحقيقة المؤسفة أن البحث في أصول التفسير ما زال حتى اليوم في بدايته.

وعلى الرغم من أن التفسير أول العلوم الإسلامية وجوداً إلاّ أنه كان آخرها بلورةً على مستوى التأسيس النظري والتقعيد؛ إذ لم يتم بحث «قواعد كلية للتفسير» بشكل مستقل حتى مطلع القرن الخامس -والمفارقة أن فهم القرآن كان السبب الرئيس لنشأة العلوم العربية برمَّتها، والتي تبلورت معظمها في القرن الثاني ومطلع القرن الثالث الهجريين- عندما ألف أبو النصر الحدادي (توفي مطلع القرن الخامس) كتابه «المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى» محاولاً ضبط التفسير بقواعد النحو، ثم لا نعثر على محاولة أخرى حتى مطلع القرن السابع الهجري عندما ألَّف عبد الرحمن الحرالي (ت638ه) كتابه «مفتاح اللُّبِّ المقفل لفهم القرآن المنزّل» في «قوانين تتنزّل في علم التفسير منزلة أصول الفقه من الأحكام»، ثم ابن تيميه في «مقدمته» الشهيرة في أصول التفسير، ثم ألف نجم الدين أبو سليمان الطوفي الحنبلي (ت710ه) كتابه «الإكسير في قواعد التفسير»، ثم جاء ابن الأكفاني (ت 748ه) ليدرس في كتابه «نغب الطائر من البحر الزاخر» ما قال إنه «قانون عام يعوّل في التفسير عليه، وترجع في التأويل [للقرآن] إليه، ومسبار تامٌّ يميّز ذلك، وتتضح به المسالك»، ثم كان علينا أن ننتظر حتى مجيء العلامة بدر الدين الزركشي (ت794ه) ليحدد تعريف علم التفسير بأنه «علم كشف معاني القرآن»، ثم جاء جلال الدين البلقيني (ت824ه) فألّف في أصول علم التفسير كتابه «مواقع العلوم من مواقع النجوم» متناولاً «ما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف»، وهو أميل إلى أن يكون في علوم القرآن منه إلى علم أصول التفسير، ويؤلف الكافيجي (ت 879ه) أول كتاب مستقل يدرس علم التفسير بوصفه علماً له موضوعاته وأدواته وشروطه باسم «التيسير في قواعد علم التفسير»، وأخيراً أتى جلال الدين السيوطي (ت911ه) بكتابه «التحبير في علم التفسير»، وقد نسخ فيه ما جاء في كتاب البلقيني وزاد عليه قليلاً، مما جعله كسلفه؛ أقرب إلى علوم القرآن منه إلى أصول التفسير.

أولاً: ملابسات التاريخية:

إن ثمة ما يقارب ثلاثة قرون تفصل بين تأسيس علم أصول التفسير، وبين تأسيس العلوم العربية الإسلامية الأخرى، وهي مسافة زمنية كبيرة جداً، تثير السؤال عن سبب تأخر بلورة هذا العلم وتدوينه نسبة إلى العلوم الأخرى؟ وإذا كان جواب السيوطي هو «إهمال المتقدمين»، فإن هذا الجواب السهل لا نجده كافياً، إذ لابد من مبررات علمية كانت تحفُّ بالإطار التاريخي طيلة هذه القرون الخمسة، وعلى ما يبدو فإن تاريخ نشأة العلوم العربية والإسلامية الأخرى تكشف بحد ذاتها عن السبب الحقيقي الكامن خلف هذه الظاهرة، فقد كانت أولى القضايا التي واجهت المجتمع الإسلامي بعد الفتوحات مسألة «العجمة»، و «إعجاز القرآن»، و «عربية القرآن» في سياق الجدل الكلامي مع الفرق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير