تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تداخل الآيات المكية والمدنية في السور]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[01 Sep 2009, 12:16 ص]ـ

لا شك أن تحديد مكية الآية أو مدنيتها يؤثر تأثيرا مباشرا في تفسيرها؛ إذ يختلف المعنى عند ربطه بالأحداث التي وقعت بمكة عن ذلك المعنى الذي يربط بأحداث المدينة، ولهذا حدد العلماء أمكنة نزول السور والآيات.

لكن هنالك سؤال بسيط: هل يمكن أن تنزل سورة كاملة بمكة إلا آيات قليلة منها تنزل بعد سنوات طويلة في المدينة فتضاف إلى السورة وربما تكون تلك الآيات في وسط هذه السورة؟

وهل يمكن أن تنزل آيات قليلة منفصلة ومنعزلة عن سورها بمكة ثم تضاف إلى سورها بعد نزول تلك السور بالمدينة لتبقى هذه الآيات منعزلة عن سورها تلك المدة الطويلة؟

الإجابة عند الباحث: أنه لا يستطيع تصور ذلك إطلاقا، إلا أن العلماء قالوا بإمكان ذلك، والعلماء لا يتكلمون من فراغ بل لهم أدلتهم

ولهذا لا يمكن أن يكون كلام الباحث مقبولا إلا إذا فحص الأدلة التي استند عليها العلماء، فتبين له أن الأمر خلاف ما يقولون، ولم يقل أحد باتباع العلماء في كل الأحوال، أما إذا تبين للباحث أن الأدلة تؤكد أقوال العلماء تأكيدا لا يمكن معه القول بخلاف تلك الأقوال كان ملزما بإتباع تلك الأدلة

ولهذا فإن هذا البحث يهدف إلى فحص آراء العلماء الذين ذهبوا إلى وجود آيات مدنية في السور المكية أو وجود آيات مكية في السور المدنية

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[01 Sep 2009, 12:18 ص]ـ

توطئة:

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذا قالوا إن هذه الآية نزلت في كذا فإنهم يريدون به تارة أنه السبب المباشر للنزول ويريدون به تارة أن هذا داخل في معنى الآية وإن لم يكن هو السبب، وإذا كان الأمر كذلك فقد كان من الأهمية بمكان تمييز السبب المباشر الذي نزلت بعض الآيات لأجله من السبب الذي هو المعنى دون أن تكون الآية نازلة لأجله بصورة مباشرة، وقد كان هذا عند الصحابة من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل، وما كان ذلك عند الصحابة كذلك إلا لأن أسباب النزول عندهم لا ترتبط بالأشخاص ولا بالأعيان وإنما بالصفات والأنواع؛ ولهذا قال ابن عاشور (وكثيراً ما حملوا نزول الآية على مُثل تنطبق عليها معانيها فعبروا عنها بأسباب نزول)، فإذا عرف ذلك كان كل حدث تناولته الآية ودخل فيها سببا عندهم، ومن هنا جاءت مقولة العلماء (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) أي إذا ثبت أن الآية قد نزلت في سبب معين فإن الآية لا تقتصر على هذا السبب فحسب بل تتعداه لتشمل كل الأحداث التي هي من جنس السبب

وبذلك يمكن أن يفهم تعدد الأسباب عند الصحابة؛ فالأحداث التي ذهبوا إلى أنها أسباب قد تكون في بعض المواضع – وإن تكاثرت - كلها صحيحة مناسبة وإن اختلفت القصص والأحداث، ما دامت هذه القصص تجتمع في علة واحدة يتناولها الحكم أو الصفة التي في تلك الآية المعنية.

وإذا كان الأمر كما سبق فإنه يمكن تصور آية واحدة لها ستة أسباب مختلفة للنزول كما سيأتي، وهذه الأسباب إنما هي قصص متباينة وأحداث متفرقة تناولتها تلك الآية دون أن يقصد بذلك أنها نزلت بصورة جديدة عند كل حدث.

وليس ذلك فحسب بل ذهب ابن عاشور أيضا إلى أن بعض الصحابة أحيانا قد تشتبه التّلاوة عندهم بالنزول، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد يقرأ بعض الآيات متذكّراً لها فيظنّها أحدهم نازلة ساعتئذ حيث لم يكن سمعها قبلُ، فيطلق النزول على التلاوة؛ يقول ابن عاشور: (ولهذا نظائر كثيرة في المرويات في أسباب النزول كما علمته غير مرة)

وكل الذي ذكر يوثر تأثيرا مباشرة في تحديد مدنية الآية أو مكيتها عند العلماء هذا فضلا على الاعتماد على بعض الآراء التي انفرد بها أصحابها أو الاعتماد على الروايات الضعيفة الواهية مع وجود تلك الروايات الصحيحة التي هي أولى بالقبول كما أن تحديد مكية الآية أو مدنيتها قد يعتمد على تفسير معين للآية أو ربط هذه الآية بحدث معين رغم وجود أحداث أخرى أشد ثبوتا وأكثر صحة، أو قد تنزل الآية في أمر مستقبلي فيكون وقوع ذلك بعد نزول الآية داخلا في هذا السبب

وليس ذلك فحسب بل قد يتم الاعتماد على الاعتبار المكاني في تحديد المكي والمدني دون الاعتبار المكاني وربما حكت الآية حدث ماضيا في مكان مختلف فيتم التعويل على ذلك دون سواه، أو قد يقع حدث مكي فلا ينزل فيه شيء إلا بالمدينة فتعتبر الآية عند بعضهم مكية رغم أنها قد نزلت بعد الهجرة أو قد يكون ذلك بسبب الاعتداد الشديد بخصائص المكي والمدني المعروفة عند العلماء وهي قواعد قد جاءت على الغالب وهي غير مطردة

لكل هذه الأسباب فقد ذهب بعض العلماء إلى وجود آيات مدنية في السور المكية أو وجود آيات مكية في السور المدنية؛ وهذا يدل على أن بعض السور قد تنزل كاملة بمكة إلا آيات قليلة منها تنزل بعد سنوات في المدينة فتضاف إلى السورة، أو قد تنزل آيات منفصلة ومنعزلة عن سورها بمكة ثم تضاف إلى سورها بعد نزول تلك السور بالمدينة؛ إلا أن هذه النتيجة تحتاج إلى دراسة مدققة لفحص تلك الأدلة بصورة دقيقة؛ وتفصيل ذلك كالآتي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير