تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفصله عن الحياة العامة كما في فكرة العلمانية وإسقاط القانون الوضعي فيما يتعلق بالعقوبات والأحوال الشخصية على النص الديني، منتهين إلى أن هذه الإسقاطات التي يسموها قراءة جديدة لا تحمل صفة موضوعية ثابتة في النص وإنما هي قيم متغيرة بتغير الظروف والأوضاع ينبغي التأول فيما يناسبها من المعاني والأحكام.

إن ما أثاره هؤلاء المؤولة من مطاعن في موثوقية النص الديني يكاد يكون كله مستصحبا لما أثاره المستشرقون من شبهات متعلقة بالقرآن والحديث منذ ما يزيد على قرنين، فالاستدلال على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو ذاته الذي منع تدوين الحديث، فيه ضحالة فكرية كبيرة عند الوعي أن المنع كان تحوطا لكي لا يختلط ما هو قرآن بما هو حديث وهو ما ينافي أيضا قوله تعالى " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " (الحشر، 7) وقوله " يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " (الأعراف، 58) " فهذا خطاب عام يدلل بوضوح على موثوقية السنة وديمومتها، ولا يمكن فهمه على أنه خطاب محصور بالزمان والمكان وإلا كانت الرسالة نفسها لا تتجاوز ذلك الزمان وذلك المكان، كما أن الأمر قد اقتضى المنع من التدوين ولم يقتضي المنع من الحفظ ولم يقتضي المنع من العمل بالسنة والفرق جلي واضح بيهما، ولئن كان الحديث النبوي قد داخله الوضع حقا فإن هذا النص النبوي قد حظي من العلوم المنهجية التي تميز صحيحة من سقيمه بما لم يكن له سابقة أو لاحقة في التاريخ الثقافي الإنساني وهي تلك العلوم التي تتحرى الصادق من غيره في الرواية المنقولة.

أما ما اعتمدته هذه القراءة من تشكيك في موثوقية القرآن من حيث انتقاله من النبي صلى الله عليه وسلم مقروءا إلى المسلمين بعد ذلك مكتوبا فليس من غاية لهذا التشكيك إلا أن يكون مدخلا لبعض تأويلاتهم الباطلة للنص القرآني، فإن الفيصل في ذلك ما يقدمه القران نفسه للناس فيما إذا كانت لغته نبوية بشرية أو إلهية، فالمعاني وحدها لو كانت هي النازلة في قوله تعلى " إنا أنزلناه قرآنا عربيا " (يوسف، 2) فإنها لا توصف بأنها عربية إذ هي من المشترك بين جميع أهل اللغات، وإنما الألفاظ من حيث ذاتها ومن حيث نظمها ودلالتها على معانيها هي التي توصف بذلك.

أما القول: إن القران قد زيد فيه في عصر التدوين بعد وفاة النبي فهذا أيضا قول متهافت، فما جمع في عهد عثمان لم يكن سوى جمع لما دون في السطور متفرقاً بما يماثل ما هو محفوظ متواتراً في الصدور، والادعاء بحصول تغير في القرآن بتدوينه على ترتيب غير ترتيبه الزمني لا يخضع لأي أساس منطقي، وهو ادعاء مردود أيضا لأن الترتيب التوقيفي للقرآن الذي هو مدون به الآن في المصحف كان ترتيبا مصاحبا لنزوله فما من آية نزلت على النبي عليه السلام إلا أمر كتّابه أن يضعوها في مكانه التوقيفي من سورته فعندما اكتمل النزول كان الترتيب التوقيفي مكتملا، وعلى حد زعم هؤلاء الباطنية لن يكون الدين والتاريخ الإسلامي كله إلا أكذوبة كبرى صنفها رجال متواطئون على الباطل، وهذه النتيجة لا يقبلها عقل سليم حينما يتعلق الأمر بجهود أمه بأكملها في فهم دينها من مصدره المحفوظ.

ومما وقعت فيه هذه القراءة من مزالق خطرة؛ تقدير العلاقة بين النص فيما يتضمنه من حكم شرعي وبين المقصد الذي من أجله شرع ذلك الحكم، وكذلك تقدير العلاقة بين ذلك النص وبين ما يجري به واقع الحياة الانسانيه، فهذه العلاقة المزدوجة أقيمت في القراءة الجديدة على خلل كبير في كل من طرفيها، لأن النص الديني إذا كان قد حدد مقاصد ما يتضمنه من أحكام فإنه أيضا قد حدد أحكاما تفضي إلى تلك المقاصد وجعل هذا مرتبطا بذاك وملازما له ولم يوجه هذا النص بأي حال من الأحوال إلى أن تلك المقاصد إذا ما أمكن تحقيقها بغير الأحكام الموضوعة لها فإنه يمكن إهدار تلك الأحكام، فبأي مبرر إذن تلغى الأحكام إذا ما تحققت مقاصدها بطريق غيرها؟

إن المقصد من أي حكم محدد يتضمنه النص الديني إذا كان باديا في تحقيق مصلحة أو درء مفسدة جراء تطبيق ذلك الحكم فان ذلك المقصد يتضمن بصفة أساسية إيقاع الحكم نفسه، فإذا ما أهدر ذلك الحكم فقد أهدر المقصد أو شطر كبير منه وذلك أيما حكم من أحكام الدين في المفهوم الإسلامي عبادة كان أو معاملة فان مقاصده الأساسية عبادة الله تعالى وطاعته في تطبيق ذلك الحكم مهما يكن له من مقصد يتعلق بالمصلحة الدنيوية.

ولكن يبقى أخطر ما يعتمده هؤلاء المفكرون في قراءتهم الجديدة - كما يرى النجار- معادلة النص والواقع بحيث تجعل ما يجري به الواقع من قيم ثفافيه وحضارية وحقوقية هي الحكم الذي يحتكم إليه في تبين دلالة النص الديني وفي استبدال الأحكام المستفادة من النص بمقتضى تلك الأدلة بما يقتضيه الواقع الجاري بأوضاعه المتغيرة على الدوام، فلا يكون بحسب هذه القراءة للنص الديني مضمون موضوعي ثابت، فإذا ما كان هذا الواقع هو القيم على النص الديني بحيث يقع تأويله بحسب ما ينقلب إليه الواقع من أوضاع لتكون مضمونا له، فإن ذلك سيفضي لا محالة إلى أن يكون هذا النص متضمنا في بعض الأزمان الأمر باعتقاد الباطل وفعل الشرور باعتباره دينا!! وتصوره يكفي في رده وبطلانه.

ولنا أن نتصور فظاعة هذا المآل الذي تنتهي إليه القراءة الجديدة بهذا التأويل الواقعي، ٍ فتصبح القيم والقوانين السائدة في هذا الواقع هي التي يؤول على أساسها النص القرآني، لتبقى مهمة النص الديني مقصورة على التوجيه الروحي دون محددات الأحكام.

http://www.alrased.net/show_topic.php?topic_id=808

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير