قال ابن حجة الحموي: "وأما ما جاء منه للإنكار والتوبيخ فهو تكرار قوله تعالى في سورة الرحمن (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإن الرحمن جل جلاله ما عدد آلاءه هنا إلا ليبكت بها من أنكرها على سبيل التقريع والتوبيخ كما يبكت منكر أيادي المنعم عليه من الناس بتعديدها له. اهـ
* (التكثير): كقول محمد بن مناذر الصبيري:
كم وكم كم كم وكم كم كم وكم *-*-* قال لي: أنجز حر ما وعد
* (التهديد والوعيد): كقوله تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}، وقد ذكر (ثم) في المكرر، دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول.
و كقول الأعشى ليزيد بن مسهر الشيباني:
أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا *-*-* أبا ثابت أقصر وعرضك سالم
وذرنا وقوماً إن هم عمدوا لنا *-*-* أبا ثابت واقعد فإنك طاعم!!
* (التهويل): كقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ}، {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ}، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ}، {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}، قال الفراء: الكلمة قد تكررها العرب على التغليظ والتخويف.اهـ (15)
* (الاستبعاد): كقوله تعالى (هيهات هيهات لما توعدون)
* (التعجب): كقوله تعالى: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} فكرر تعجبا من تقديره وإصابته الغرض، على حد ((قاتله الله ما أشجعه)).
* (الاستغاثة): كقول العديل بن الفرخ:
بني مسمع لولا الإله وأنتم *-*-* بني مسمع لم ينكر الناس منكرا
* (الازدراء والتهكم): كقول حماد عجرد لابن نوح، وكان يتعرب:
يا بن نوح يا أخا ال *-*-* حلس ويا ابن القتب
ومن نشا والده *-*-* بين الربا والكثب
يا عربي يا عربي *-*-* يا عربي يا عربي
هذا هو التكرار عموماً وقد قال العلماء: الكلام إذا تكررَ تقررَ.
أما في سورة الرحمن وتكرير آية (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فيقول عنها أهل التفسير
(1) قال إسماعيل حقي البروسي: فالاستفهام للتقرير أي للحمل على الإقرار بتلك النعم ووجوب الشكر عليها. اهـ (16)
وقال أيضاً ـ عليه الرحمة ـ:" وقال في برهان القرآن: تكررت الآية إحدى وثلاثين مرة ثمان منها ذكرها عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم ثم سبع منها عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم وحسن ذكر الآلاء عقيبها لأن في خوفها ودفعها نعماً توازي النعم المذكورة أو لأنها حلت بالأعداء وذلك يعد من أكبر النعماء وبعد هذه السبع ثمان في وصف الجنات وأهلها على عدد أبواب الجنة وثمان أخرى بعدها للجنتين اللتين دونها فمن اعتقد الثماني الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين من الله ووقاه الله السبع السابقة".اهـ
(2) قال الإمام الشوكاني:" وكرر سبحانه هذه الآية في هذه السورة تقريرا للنعمة وتأكيدا للتذكير بها على عادة العرب في الاتساع ".اهـ
(3) قال الإمام محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير ":
وفائدة التكرير توكيد التقرير بما لله تعالى من نعم على المخاطبين وتعريض بتوبيخهم على إشراكهم بالله أصناماً لا نعمة لها على أحد، وكلها دلائل على تفرد الإِلهية. وعن ابن قتيبة: (أن الله عدّد في هذه السورة نعماء، وذكر خلقه آلاءه ثم أتبع كل خلة وَصَفها، ونعمة وضعها بهذه، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها) اهـ. (17)
(3) قال أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغويّ: {516:ت}:
" كررت هذه الآية في أحد وثلاثين موضعاً تقريراً للنعمة، وتأكيداً للتذكير بها، ثم عدد على الخلق آلاءه، وفصل بين كل نعمتين بما نبههم عليه، ليفهمهم النعم ويقررهم بها، كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع إليه بالأيادي، وهو ينكرها ويكفرها: ألم تكن فقيراً فأغنيتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك، أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملاً فعززتك، أفتنكر هذا؟ ومثل هذا الكلام شائع في كلام العرب ". اهـ (18)
¥