ج: هذا سؤال هام جدا، والإجابة التفصيلية عنه تحتاج لوقت أطول؛ وجملة القول في ذلك أن تاريخ التفسير عرف مدارس كثيرة، لم يحظ جميعها بالرضا والقبول لدى علماء هذا الفن، فكلما كانت هذه المدارس ملتزمة بأصول التفسير وضوابطه العلمية المعتمدة عند العلماء كلما كان إنتاجها سليما مقبولا، وكلما قصرت في الالتزام بهذه الأصول والضوابط كلما خرجت عن الصواب وتعرضت للنقد.
س: إلى أي حد استطاعت هذه المناهج الكشف عن مدلولات الكتاب الخاتم؟ وكيف كانت معاينتها للنص القرآني المتجدد؟
ج: المناهج المعتمدة في تفسير القرآن كما ذكرنا سالفا متنوعة كل منها قد اعتمد أداة علمية في الفهم والاستنباط، فأصحاب التفسير بالمأثور مثلا اعتمدوا تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة والتابعين، نظرا لقيمة هذه الأصول في الفهم والتفسير، وأصحاب التفسير اللغوي اعتمدوا اللغة في الفهم لأنها لغة القرآن، وأصحاب التفسير الفقهي اعتمدوا القواعد الأصولية والفقهية في استنباط أحكام القرآن، وهكذا نلاحظ هذا التنوع في الأداة العلمية المعتمدة وفي الجوانب المقصودة بالبيان أيضا، وكلما تتبعنا هذه المناهج كلما ازداد التنوع في الأدوات العلمية المعتمدة وفي الجوانب المقصودة في التفسير ...
س: في نظركم ماهي ماهي المخطوطات المالكية في علم التفسير التي يجب أن توجه إليها عناية الباحثين لتحقيقها وطبعها؟
ج: التراث التفسيري الفقهي المالكي كثير متنوع حسب الجهة التي ينتمي إليها؛ فهناك مصنفات صنفها المالكية في الغرب الإسلامي ومصنفات أخرى صنفها المالكية في العراق وغيرها من المناطق الإسلامية، والعناية بهذا التراث تكشيفا وتعريفا وتحقيقا ودراسة من البحوث العلمية الهامة، وهذا يلزم الباحث بعد التكشيف والفهرسة الاطلاع على هذه المخطوطات وتحديد ما يصلح منها لهذا العمل وما لا يصلح، وفي هذا الباب يمكن أن نقترح بالإضافة إلى مدرسة الأندلس مدرسة العراق، ومخطوطاتها المالكية ...
س: كلما ذكر التفسير في تراثنا الإسلامي إلا وذكرت معه قضية الإسرائيليات. ولعلك استاذي تعلم أن تفسير الطبري، وهو إمام مدرسة التفسير بالمأثور، قد أجري حوله ما يزيد على 20 رسالة جامعية، ما بين ماجستير ودكتوراه بغية تنقيته من الإسرائليات، فما هو حجم هذه الإسرائيليات في تراثنا التفسيري؟ وكيف ومتى دخلت إليه؟ وكيف السبيل إلى تنقية هذا التراث منها؟
ج: الإسرائيليات مصدر قديم من مصادر التفسير، ظهر مع الصحابة رضوان الله عليهم، عندما كانوا يرجعون إلى مسلمة أهل الكتاب للاستئناس برواياتهم في بسط مختصر قصص القرآن، ولم يكونوا يعتمدون هذا المصدر في تأصيل عقيدتهم ولا استنباط أحكامهم الشرعية، ولذلك درج المفسرون بعدهم على اعتماد هذا المصدر في هذا الباب بالضبط، إلا أن الأمر استفحل أكثر مع بعض المفسرين الذين بالغوا في اعتماد هذه الروايات إلى درجة الاصطدام مع بقية الأصول العلمية المعتمدة؛ كالتعارض مثلا مع عصمة الأنبياء ونحو ذلك ... فصار من الضروري تنقية التفسير من هذه الروايات التي تتعارض مع دلالات القرآن وشواهد السنة ودلالة اللغة العربية، والسبيل إلى ذلك البحوث العلمية المجددة لعلم التفسير.
س: إن تقويم أي عمل تفسيري ينطلق من معرفة طبيعة العلاقةبين المكونات الثلاث التالية: الأصول والمنهج والمفسر؛ فهي التربة الحاضنة لأي عمل تفسيري، وأي خلل في العلاقة بينها، يؤدي حتما إلى خلل في العمل التفسيري قد تتباين مظاهره بحسب نوع الخلل ومداه.
والناظر في التراث التفسيري، يمكنه بوضوح أن يلحظ مدى الخلل الموجود فيه بسبب عدم التوازن بين المكونات الثلاثة. ما هي في نظركم أستاذي الكريم أسباب هذا الخلل؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها؟
ج: هذا سؤال هام جدا؛ لأنه يلخص سبب الخلل الذي يظهر أحيانا في مسيرة التفسير، فإذا أردنا أن نجمل الكلام عن هذا الخلل فهو يقع إما من جهة التقصير في اعتماد الأصول العلمية المعتبرة عند علماء التفسير سلفا وخلفا، وإما من جهة المنهج الذي لا يتناسب مع خصوصية الكتاب المقدس، وإما من جهة المفسر الذي لا يكون من أهل هذا العلم، أو يتحكم فيه مذهبه ... والسبيل إلى تجاوز هذا الخلل هو الاحتكام إلى أصول هذا العلم وقواعده، فهو الميزان الذي نميز به بين الصحيح والسقيم من الآراء والتفسيرات.
س: كيف تقيمون أستاذي محمد قجوي الدراسات العلمية التي عرفها مجال البحث الأكاديمي في الدراسات القرآنية وفي التراث التفسيري على الخصوص، سواء تعلق الأمر بالجامعات المغربية، أو تعلق بالجامعات العربية، أو تعلق بالجامعات الغربية؟
ج: عرفت الدراسات القرآنية عموما والتفسيرية خصوصا رواجا كبيرا في البحث الأكاديمي، وقد تنوعت هذه الدراسات من حيث الجوانب التي تناولتها من كتاب الله عز وجل فمنها: الدراسات التي عنيت بالجانب اللغوي في القرآن، ومنها الدراسات التي عنيت بمواضيعه وقضاياه، ومنها الدراسات التي عنيت بالجوانب المنهجية في التفسير، وهذا يشكل رصيدا علميا هاما يدل على العناية الدائمة بالقرآن الكريم. ونرجو بعد هذا التطور في التواصل بواسطة الشبكة العنكبوتية أن نتجاوز التكرار في هذه البحوث ويبني كل باحث على خلاصة من تقدمه.
س: نشكر جزيل الشكر موقع الرابطة المحمدية للعلماء، ونشكر كذلك الضيف الكريم الدكتور محمد قجوي.
سؤالي، هناك مقولة تقول أن التفسير هو اول العلوم ظهورا، ما مدى صحتها؟
ج: يمكن أن تقول ذلك بخصوص العلوم الإسلامية؛ لأن أول من باشر التفسير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا متقدم في تاريخ العلوم الإسلامية
¥