فإما أن تسلك مسلك المحاور الذي يلتزم بآداب الحوار.
أو لا تكرر خطأك وتخاطبني بكلامك مرة أخرى.
بانتظار موقف غير متذبذب.
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه.
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[17 Jun 2009, 11:46 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.
الإخوة الأفاضل السادة الأساتذة: عمارة، وعبد الله جلغوم، وأبو الحسنات الدمشقي، و حجازي الهوى، و أحمد البريدي، و أبو عمرو البيراوي ـ حفظهم الله ـ.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أما بعد، فإني أتابع منذ مدة القضايا التي يثيرها الأستاذ عبد الله جلغوم ـ و الأستاذ الدكتور عمارة ـ حفظهما الله ـ، كما أتابع المناقشات المثارة حول الإعجاز العددي، وكنت أتحاشى الخوض في هذا الموضوع لأنني لست من المتخصصين في الرياضيات من جهة، و لعلمي بأن القرآن الكريم حوى علم الأولين و الآخرين، و أن علم الله مطلق، وعلم الإنسان نسبي، وأن العلم درجات:
(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
(وفوق كل ذي علم عليم).
وإني أذكر أني قرأت منذ سنوات دراسات لأخي الفاضل الأستاذ الدكتور إدريس خرشاف ـ حفظه الله ـ التي قارب فيها سورا و آيات من القرآن الكريم مقاربة رياضية، فهمت منها إجمالا أن القرآن الكريم بناء رياضي، تحكمه معدلات رياضية معجزة. وأصدقكم القول أنني لم أكن أفهم التفاصيل و الحيثيات، لأنها تحتاج إلى خلفية علمية رياضية لا أملكها، و من ثم لا يمكنني مناقشة أهل التخصص، فسلمت له أمره خاصة عندما رأيت تجاوب المتخصصين مع أعماله.
وتكرر الأمر معي بعد ذلك، حينما فاجأني أحد الإخوة المهندسين المعماريين بسؤال عن قواعد الإنشاء المعماري في القرآن الكريم، فأخبرته ـ صدقا ـ أنه لا علم لي بذلك، فقال لي: إنه موضوع جدير بالبحث، ويكشف عن مواطن إعجاز جديدة في القرآن الكريم.
ثم رأيت كيف يتجاوب الأطباء و المهندسون وذوو التخصصات العلمية مع الإعجاز العلمي، فأدركت حقيقة قرآنية معززة بالبراهين العلمية ألا و هي تضمن القرآن الكريم علوما وحكما يدرك منها الإنسان بقدر علمه، وخبرته، وتجربته. و أن كل واحد منا يجد ذاته في القرآن الكريم، و هذا هو سر تنوع الإعجاز القرآني، كما أنه توفيق من الله تعالى، و قديما ذكر علماؤنا في شروط المفسر علم الموهبة، من عمل بما علم ورثه الله ما لم يعلم. فالقرآن معين العلوم ومنبعها ومصدرها، وكل غارف منه بقدر ما يملك من معرفة وتجارب، و بمقدار ما يوفقه الله إليه ساعة شاء و أينما شاء سبحانه. فالعلوم و الحكم موجودة في القرآن الكريم، كما هي موجودة في الطبيعة و الإنسان يكتشفها حين يريد الله ذلك: فلكل أجل كتاب. كما أثر عن سلفنا قولهم: من القرآن ما يفسره الزمان.
ومن خلال تتبعي لهذا الموضوع و المناقشات التي أثارها، تبين لي أننا نتجادل جدالا عقيما وينقصه الأدب من جهة، و لا ينتهي إلى الرشد من جهة أخرى، لأن المتحاورين يتكلمون بلغتين مختلفتين تماما، فبعضهم ينطلق من رؤية شرعية أو لغوية أو هما معا، و البعض الآخر ينطلق من رؤية علمية رياضية. فزاوية النظر عندنا مختلفة تماما، و من ثم فإننا لا نستطيع أن نتفاهم، فنتخاصم، ونتجادل، و يخطىء بعضنا في حق بعض، و تضيع الحقيقة أثناء ذلك، وتتفلت منا الحكمة.
إن أصل التفاهم أن يقدر بعضنا لبعض اختصاصه الدقيق، ويسلمه له. ومن ثم فإني أقترح على الإخوة الأفاضل أن مثل هذه الموضوعات الدقيقة هي لأهل الاختصاص الدقيق. وليس معنى أنني لا أعرفها أو غير متمكن منها أنني جاهل. فالعلم نسبي، و العلم تعطيه كل وقتك، وراحتك، وسعادتك، ويعطيك بعضه، ومن منا يدعي الإحاطة بالعلم، و من منا يحتكر الحقيقة؟.
علينا ـ أيها الإخوة الأعزاء ـ أن نتعاون بعد أن يسلم كل منا لأهل تخصص تخصصهم، ثم نعمل على الاستفادة من النتائج التي انتهى إليها أصحاب تخصص ما. بحيث نقوم بأعمال تركيبية تمكننا من تدبر القرآن الكريم، و التفاعل معه تفاعلا إيجابيا من جهة، وتمكننا من تبليغه للعالمين بطريقة علمية تتحق فيها شروط التواصل الفعال. بحيث يتكامل الجهد العلمي مع الجهد الدعوي، لعل الله يهدي على أيدينا أحدا من البشر، فنظفر برضا الله تعالى. فالناس ليسوا سواء و يتعين مخاطبة كل واحد منهم بما يناسبه.
وإني أدعو إخوتي الأعزاء ـ وهذه الدعوة لا تستثنيني ـ إلى استحضار الله تعالى في السر و العلن، حتى نكون مخلصين في أعمالنا كلها، و أن يجنبنا الانتصار لأنفسنا و أهوائنا، وأن تكون الحقيقة هي مقصدنا، و العلم و البرهان هو سبيلنا لبلوغها. مع التوجه إلى الله تعالى أن يلهمنا الصواب و يرزقنا اتباعه، وأن يرزقنا حبه و حب من أحبه، و حب كل عمل يقرب إلى حبه.
و السلام عليكم أيها الأحباب ورحمة الله و بركاته، فقد لمست فيكم حبا للعلم، و غيرة على الدين، فأحببت أن أكون واحدا منكم، عسى أن تقبلوني فأنال بركة مجلسكم.
محبكم: أحمد بزوي الضاوي.
¥