وقال ابن الخشاب في المعتمد اختلف في هذه المسألة فذهب الأكثرون إلى جواز إطلاق الزائد في القرآن نظرا إلى أنه نزل بلسان القوم ومتعارفهم وهو كثير لأن الزيادة بإزاء الحذف هذا للاختصار والتخفيف وهذا للتوكيد والتوطئة ومنهم من لا يرى الزيادة في شيء من الكلام ويقول هذه الألفاظ المحمولة على الزيادة جاءت لفوائد ومعان تخصها فلا أقضى عليها بالزيادة ونقله عن ابن درستويه قال والتحقيق أنه إن أريد بالزيادة إثبات معنى لا حاجة إليه فباطل لأنه عبث فتعين أن إلينا به حاجة لكن الحاجات إلى الأشياء قد تختلف بحسب المقاصد فليست الحاجة إلى اللفظ الذي زيد عندها ولا زيادة كالحاجة إلى الألفاظ التي رأوها مزيدة عليه وبه يرتفع الخلاف
وكثير من القدماء يسمون الزائد صلة وبعضهم يسميه مقحما ويقع ذلك في عبارة مستوية
وقال 79ج3
القسم السادس العشرون: الزيادة.
والأكثرون ينكرون إطلاق هذه العبارة في كتاب الله ويسمونه التأكيد. ومنهم من يسميه بالصلة ومنهم من يسميه المقحم.
قال ابن جنى: كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى وبابها الحروف والأفعال.
كقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}. {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} قيل: [كان] هاهنا زائدة وإلا لم يكن فيه إعجاز لأن الرجال كلهم كانوا في المهد، وانتصب [صبيا] على الحال.
وقال ابن عصفور: هي في كلامهم زيدت في وسط الكلام للتأكيد وهي مؤكدة للماضي في [قالوا].
ومنه زيادة [أصبح] قال حازم: إن كان الأمر الذي ذكر أنه فيه أصبح يكن أمسى فيه فليست زائدة وإلا فهي زائدة كقوله: أصبح العسل حلوا.
وأجاب الرماني عن قوله: {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} فإن العادة أن من به علة تزاد عليه بالليل يرجو الفرج عند الصباح فاستعمل [أصبح] لأن الخسران جعل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج فليست زائدة.
وهو معنى قول غيره إنها تأتي للدوام واستمرار الصفة كقوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}، {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ}.
وأما قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} فهو على الأصل لظهور الصفة نهارا والمراد الدوام أيضا أي استقرت له الصفة نهاره.
واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين والصلة والحشو من عبارة الكوفيين قال سيبويه عقب قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ}: إن [ما] لغو لأنها لم تحدث شيئا.
والأوْلى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى فإن قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} معناه: [ما لنت لهم إلا رحمة] وهذا قد جمع نفيا وإثباتا ثم اختصر على هذه الإرادة وجمع فيه بين لفظي الإثبات وأداة النفي التي هي [ما].
وكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فـ[إنما] ها هنا حرف تحقيق وتمحيق إن هنا للتحقيق وما للتمحيق فاختصر والأصل: [ما الله اثنان فصاعدا وأنه إله واحد].
وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن فمنهم من أنكره قال الطرطوسي في [العمدة]: زعم المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره فذكر كثيرا.
وقال ابن الخباز في التوجيه: وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد. ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم وهو أفسد الطرق.
وقد رد على فخر الدين الرازي قوله إن المحققين على أن المهمل لا يقع في كلام الله سبحانه فأما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} فيمكن أن تكون استفهامية للتعجب والتقدير: فبأي رحمة؟ فجعل الزائد مهملا وليس كذلك لأن الزائد ما أتى به لغرض التقوية والتوكيد والمهمل ما لم تضعه العرب وهو ضد المستعمل وليس المراد من الزيادة حيث - ذكرها النحويون - إهمال اللفظ ولا كونه لغوا فتحتاج إلى التنكب عن التعبير بها إلى غيرها فإنهم إنما سموا [ما] زائدة هنا لجواز تعدى العامل قبلها إلى ما بعدها لا لأنها ليس لها معنى.
¥