وفقك الله وبارك فيك
ونفع بجهودك وجهود جميع مشايخنا وإخواننا في هذا الملتقى الذي يعتبر بحق أنموذجا يحتذى في عالم المنتديات والمواقع العلمية ..
ـ[أبو عبد الرحمن المدني]ــــــــ[20 Aug 2009, 10:31 ص]ـ
اطلعت على المقال (السيرة والقرآن) في ملتقى السيرة النبوية ثم رأيته هنا في هذا الملتقى المبارك
وحتى تكتمل الفائدة أحب أنقل لكم ما أضافه الشيخ/ عبد الرزاق مرزوق على المقال وهو أحد مشايخ المغرب المتخصصين في السيرة النبوية
وهي لفتة تدبرية في قوله تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبوا آياته)
وقبل أن أدعك تستمتع بما كتب أريد منك تفضلا أن تربط أصل المقال بهذه الإضافة حتى تتم الفائدة
وإليكم هذه اللفتة:
يقول:
لولا السيرة النبوية لما شوهد لآيات الكتاب دلالة ..
ولا رؤي لمراد الله تعالى منه مشهد
ينقله من السطر والصدر
إلى واقع الحياة ...
بل ما كان اصطفاء النبي صلى الله عليه وسلم ..
وما من غاية لتكريمه بشتى المناقب والشمائل
والفضائل والخصائص إلا تهيئته لتلقي الوحي المنزل ...
فتعلق فهم القرآن بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم
كتعلق الإبصار بالنور ...
وانظر رعاك الله إلى قوله تعالى من سورة ص (29)
(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته
وليتذكر أولوا الألباب)
كم جمع من أسرار هذا المعنى ..
وكيف مزجت الآية الكريمة
- في ذكر مقتضيات تدبر القرآن -
بين خصال الكتاب المتدبَّر وخصال من نزل عليه؛
بحيث لا يكون لتدبر الآية من القرآن معنى
إلا بتأمل معانيه، وتأمل صلته بمن نزل إليه
في آن واحد ...
فإن تأمل العبد أحدهما دون تأمل الآخر
كان تدبره ناقصا لا محالة.
فكأن نفس وجوده صلى الله عليه وسلم
من خصائص الكتاب التي تقتضي لزوم تدبره
لشدة تلازمهما ..
ولعل الآية الكريمة اكتفت لأجل هذا
بأقل ما يشير إليه صلى الله عليه وسلم
دون التفصيل والإسهاب في عد فضائله
لئلا يظن أن في انفصالهما دليلا
على إمكان الاستقلال بأحدهما
في تحقيق التدبر المشروع، والله أعلم.
ثم حلى الفعل بلام الغاية بيانا لغاية نزول الكتاب
على النبي صلى الله عليه وسلم
لا بيانا لغاية نزوله المجرد
ولو كان استحضار حال من نزل عليه القرآن
غير معتبر في تحقيق الغاية من نزوله لما قال (إليك) ..
فهاهنا ثلاثة ضمائر:
ضمير يعود على المنزَل،
وضمير يعود على المنزل عليه،
وضمير يعود على المنزل لأجلهم ...
فالأول والثالث للغائب،
والوسط للمخاطَب تنويها واحتفالا بحضوره،
وإشارة إلى تعلق سبب النزول به
اصطفاء واجتباء،
وتنبيها إلى أثره الجلل
في نقله عن ربه عز وجل إلى الخلق
وتحمله عن جبريل عليه السلام،
ولولا ذلك ما عرفوه ولا دروه،
وكذا تذكيرا بشرطية استحضاره صلى الله عليه وسلم
أثناء تدبر الكتاب تقديما وتأسيا واتباعا ...
فإن قلت: (قوله تعالى في الآية " إليك "
لم يشتمل من ذكر الموصوف
إلا على كاف الخطاب ... ،
فأين ذكر الشمائل والخصال؟) ..
فالجواب: أن مجرد الإخبار بإنزاله إليه نداء عليه بغاية التكريم
لاختصاصه به واصطفائه صلى الله عليه وسلم لأجله،
فلو تساءلت: من المراد بكاف الخطاب؟ .. ،
ثم سماه لك من يعرفه لكفى بمجرد اسمه أمارة
على جلال خصاله وجمالها،
فكيف لو دلك عليه فعرفت صورته الحسنى .... ؟
وكيف لو خالطته فغمرتك صفاته المثلى .... ؟
بل مجرد التفكر في فضل الكتاب الذي نزل إليه
دال على كمال خصاله صلى الله عليه وسلم،
لاستحالة التجاذب والتساكن بين جنسين مختلفين،
فلما اتحدا في زكاة مخرجهما توافقا وتعانقا ...
ألا ترى أن (كتاب) مبتدأ،
وأن (إليك) داخلة في خبره
دخول الركن في البناء ...
فأخبر عن الكتاب وعرّفه بذكر من نزل إليه
ذكرا يعدل درجة آياته البينات في الدلالة عليه ..
فهذا من أوسع مداخل شخصه وسيرته صلى الله عليه وسلم
في سبب وجود الكتاب فضلا عن دخولها في تفسيره.
...........
وفيه سر آخر ألطف،
وهو قوله (إليك)
الدالة على المنح رعاية وعناية
ولم يقل (عليك) المشعرة بتحميل الأمانة ...
كقوله: - المزمل 5 - (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا)
فهذا سياق وذاك سياق ...
بل قال (إليك) إشارة إلى أن سائر الخلق
تبع له صلى الله عليه وسلم
في استحقاق نعمة الكتاب ..
فصارت (إليك) مدار كل المعاني
التي ترمي إليها هذه الآية ..
وليعلم المأمورون بتدبر الكتاب
أن تدبرهم لا يصح ولا يستقيم إلا إذا تلبس
بسيرته صلى الله عليه وسلم وأحواله ...
ثم تأمل دخول كل ما ندندن حوله
في قوله تعالى: - القمر 17 -
(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ..
ألا ترى أن له صلى الله عليه وسلم
في تيسر القرآن للذكر نصيبا عظيما ..
بما كابد من شدائد تنزله عليه،
ولولا تحمله تلك المشاق
منذ أن فجئه جبريل عليه السلام في الغار ..
وغطه حتى بلغ منه الجهد مرارا ..
ثم صار صلى الله عليه وسلم كلما نزل عليه الوحي
عانى من ذلك شدة ...
لولا تحمله الشاق ذاك لما وجد العباد القرآن
ميسر التلاوة والفهم والتدبر والعمل ..
ولما تراكم هذا الكم الهائل المذهل
من تدبرات المصنفين في التفسير ...
فهذا من أعظم الأدلة على ما قرره
أخونا الشيخ سعد حفظه الله.
والله أعلم.