(مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ): " متاعاً " أي منفعة مؤقتة؛ لأن المتاع يدل على النفع، ويدل على الاستمتاع. والاستمتاع لابد أن يكون موقوتاً. فهذه المذكورات فيها منفعة لكم، وفيها منفعة لأنعامكم. ثم لاحظ أن هذه الأنعام تحيل ذلك إلى طعام؛ فيؤخذ منها اللبن، ويؤخذ منها الزبد، والسمن، واللحم. إذاً هي أيضاً تعود إلى الطعام، فتدخل في عموم قوله (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ).
فهذه الجولة في هذه المكونات الغذائية، التي ينبتها الله تعالى على وجه الأرض، ويتناولها الناس، تجعل الإنسان في موقف المتدبر لطعامه، من حين أنزل الله المطر من السماء، إلى أن وصلت إلى فيه. هذه المراحل تستدعي منه النظر، والاعتبار، والتفكر.
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ): الصاخة: اسم من أسماء الساعة. وسميت بذلك لأنها تصخ الآذان لشدة صوتها، فهي صيحة مرعبة، مدوية.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ): هذا وصف لتفاصيل القيامة، وهو مشهد مرعب، مفزع , أقرب الناس إليه، من يتمنى أن يفديهم في دنياه، وأن يدفع عنهم الأذى، ويتمنى أن يصيبه دونهم , يوم القيامة، يفزع منهم، وينفض يديه منهم، ويفر منهم , لا أحد ينعطف على أحد، ولا أحد يلتفت على أحد. حتى أخيه الذي درج معه في مراتع الصبا، لا يباليه يوم القيامة، ولا يلتفت إليه.
(وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ): سببا وجوده في هذه الحياة، أحن الناس عليه، وأشفقهم به , يفر منهم. يسألانه حسنة واحدة، فلا يبذلها لهما, يقول نفسي! نفسي! النجاء! النجاء!
(وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ): الصاحبة: هي الزوجة، ألصق الناس به, والتي جعل الله بينه وبينها، في هذه الدنيا مودة، ورحمة، يوم القيامة، يفر منها, وفلذة كبده، وبضعة منه، يفر منه يوم القيامة.
لا ريب أن هذا يدل على هول المطلع، وعظم الموقف، وأن الإنسان ما كان ليبدر منه هذا التنصل من أقرب الناس إليه، إلا لشدة الحال. ولو تأملت في حياتك الدنيا، لوجدت أنك لو رأيت بعض هؤلاء الأحبة يغرق لألقيت نفسك عليه، لتستنقذه، وربما تهلك معه, وإذا وجدته يحترق، ربما ألقيت نفسك عليه، وإذا فقدته لحقك حزن عظيم، وهم، واكتئاب. لكن تأمل! يوم القيامة، لا مكان لهذه المشاعر، لأن المرء يدرك أن أمامه مصير مستديم، وهول عظيم، يريد أن ينجو بنفسه، يريد أن ينقذ ذاته، لا يلوي على أحد.
(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ): يعني يغنيه عن النظر إلى غيره
كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَة ٌ): في ذلك الموقف العصيب يتمايز الناس؛ فمن خافه في الدنيا، أمنه في الآخرة, ومن أمنه في الدنيا، أخافه في الآخرة. وإنما عبر الله تعالى عن الذوات بالوجوه، لأن الوجه هو مرآة الإنسان، بل هو مرآة القلب فتظهر انفعالات القلب على الوجه, فالوجه صفحة ظاهرة، تنبيء عما في الباطن. ومعنى (مسفرة) مضيئة مستنيرة, ووصف الوجوه بأنها (ضَاحِكَةٌ) لأن الضحك يرى في الوجه, والضحك يكون من فرح، ومن أنس، ومن موعود حسن, ومعنى (مستبشرة) أي فرحة، متفائلة، لما تنتظر ما عند الله عز وجل من النعيم، والفضل. جعلنا الله وإياكم منهم.
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ): كالحةٌ مظلمةٌ.
(تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ): أي سواد، وظلمة، كما قال الله في الآية الأخرى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ).
(أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ): جمعوا بين فسادين؛ بين فساد القلب، وفساد العمل, فساد القلب دل عليه وصفها بالكفر، وفساد العمل دل عليه وصفها بالفجور.
الفوائد المستنبطة:
الأولى:فضيلة التفكر في نعم الله وآلائه , والدعوة إلى ذلك.
الثانية: بديع صنع الله في النفس، والآفاق.
الثالثة: كرم هذه الثمرات، والنباتات, لأن الله تعالى ما خصها بالذكر إلا لمزيد مزيتها.
الرابعة: وجوب شكر المنعم وعبادته؛ لأنه قال (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
الخامسة: عظم أمر الساعة، وهول أحوال يوم القيامة.
السادسة: تبرؤ الإنسان من أقرب الناس إليه يوم القيامة.
السابعة: أن الجزاء من جنس العمل.
الثامنة: أن الكفر كفران؛ كفر اعتقادي، وكفر عملي (أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) , لأن الموصوف
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[11 Aug 2009, 11:37 م]ـ
شكر الله للأخت محبة القرآن ما أتحفتنا به من نقل لتفسير الشيخ الدكتور أحمد القاضي حفظه الله.
ولن أخوض في المسألة بعد أن هدأت العاصفة فيها.
ولكن الذي أحب أن أضيفه أن الشيخ أحمد وفقه الله يعتبر من أبرز طلاب شيخنا ابن عثيمين ومن المتخصصين في العقيدة وله موقع (العقيدة والحياة) أرجو من د/ السالم والأخوة جميعاً تصفحه والتعرف على الشيخ ومقالاته فيه، ويمكن التواصل معه من خلاله. وهذا رابط الموقع:
www.al-aqidah.com
¥