تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ورَأَيْتُ أنْ أكْتَفيَ في هذا البحْثِ بِتَحْلِيْلِ هذه النّماذج من تَفْسير الطّبري؛ ولذلك وَسَمْتُهُ بِـ (أَثَرُ التَّفْسِيْرِ بِالمَأْثُورِ في التَّوْجِيْهِ النَّحْوِيِّ لآيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيْمِِ، نماذج مِنْ تَفْسِيْرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في جَامِعِ البَيَانِ للطَّبَرِيِّ)، ورأيت أنّ أُبَيِّنَ خلالَ تَحْليلِي هذه النّماذج نَوَاحِيَ تأثِيْرِ التّفْسِيْرِ في التّوْجِيْهِ النَّحْوِيِّ، ووجدتُ أنّ هذا النَّهْجَ أوْلى من عرضِ نَوْاحِي التَّأثِيْرِ قبل تَقْدِيمِ الدّلِيْلِ عَلى الأثَرِ.

ويَعْتَمِدُ هذا البحثُ على مَجْمُوعَةٍ من الأَقْوَالِ، فهو بحثٌ في آراء المفسِّرين، وقد حرصتُ على ذكر النُّصوصِ الّتي تُبَيِّنُ آراءَهُم، وأودُّ أنْ أنبّهَ هنا أنّي أردت من إيراد نصين أو أكثر في موضع واحدٍ التّأكيد على المعنى الّذي ذكره المفسّرون في الآيَةِ، وأنَّ هُناك أكثرَ من روايَةٍ في هذا المعنى.

وقَدْ بَدَأتُ هذا البَحْثَ بِمُقَدِّمَةٍ تَحَدَّثْتُ فِيْها عَن التَّفْسِيْرِ بالمَأثُورِ والطَّبَرِيِّ، والعَلاقَةِ بَيْن التَّفْسِيْرِ والنَّحْوِ مِنْ خِلالِ كُتُبِ مَعانِي القُرآنِ، وبَيَّنْتُ أَنّ هذه الكُتُبَ تُعَدُّ مِن كُتُبِ عِلْمِ التَّفْسِيْرِ وعِلْمِ النَّحْوِ، ففيها تَوْجِيْهٌ نَحْوِيٌّ للآيَاتِ القُرآنِيَةِ وتَفْسِيْرٌ للقُرآنِ.

وتَنَاوَلْتُ بَعْدَ ذلِكَ الآيَاتِ المُخْتَارَةَ، وجَعْلْتُها في سَبْعَةِ مَوَاضِعَ، هي: المُبْتَدأ والخَبَرُ، والعَطْفُ ووَاوُ الصَّرْفِ، وحَذْفُ (أَنْ) والقَسَمُ، و (مَا) المَوْصُولَةُ والنَّافِيَةُ، و (مَا) التَّعجُّبِيّة والاسْتِفْهامِيّة، والبَدَل والعَطْف، و دَلالَةُ (أَنّى)، ورَتَّبْتُ هذه الآيَاتِ كَما هي في القُرآنِ الكَرِيْمِ.

وخَتَمْتُ هذه البَحْثَ بِخَاتِمَةٍ تَضَمَّنَتْ أَثَرَ التَّفْسِيْرِ بالمَأثُورِ عَلَى إِعْرَابِ آيَاتِ القُرآنِ الكَرِيْمِ، وأهَمِّيَّةَ النَّظَرِ إِلى المَعْنى عِنْدَ الإِعْرَابِ، فالمَعْنى هو الأسَاسُ الَّذي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ المُعْرِبُ.*

أولاً: التَّفْسِيْرُ بِالمَأْثُورِ والطَّبَرِيُّ

يُعَرّفُ التَّفْسِيْرُ بِالمَأْثُورِ بِأَنَّهُ تَفْسِيْرُ القُرآنِ بِمَا جَاءَ في القُرآنِ نَفْسِهِ مِن البَيَانِ والتَّفْصِيْلِ لِبَعْضِ آيَاتِهِ، ومَا نُقِلَ عَن الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلّمَ، ومَا نُقِلَ عَن الصّحَابَةِ رَضِي اللهُ عَنْهُم، ومَا نُقِلَ عَن التّابِعِيْنَ مِنْ كُلِّ مَا هُو بَيَانٌ وتَوْضِيْحٌ لِمُرَادِ اللهِ تَعَالَى مِنْ نُصُوصِ الكِتَابِ الكَرِيْمِ.

ويُعَدُّ التَّفْسِيْرُ بِالمَأثُورِ مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ التَّفْسِيْرِ مَنْزِلَةً؛ وذلِكَ لأَنَّهُ تَفْسِيْرٌ للقُرآنِ بِالقُرآنِ، قَالَ ابنُ تَيْمِيَةَ: "أَصَحُّ الطُّرُقِ في ذلكَ أَنْ يُفَسَّرَ القُرآنُ بِالقُرآنِ،" أَوْ بالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، والرَّسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هو المُبَيِّنُ لهذا الدّيْنِ، وهو أَدْرى بِالكِتابِِ المُنَزّلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وهم أَقْرَبُ إِلى صَاحِبِ الرِّسَالَةِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وسَلّم، وشَاهَدُوا التَّنْزِيْلَ، أَو بِأَقْوَالِ التَّابِعِيْنَ، وهؤلاءُ كَانُوا أكْثَرَ النّاسِ اتّصالاً بالصّحَابَةِ، فَأَخَذُوا العِلْمَ عَنْهُم، ونَقَلُوهُ إِلى مَنْ بَعْدَهُم، وهذا كُلُّهُ إِذا صَحَّ السَّنَدُ عَن الرَّسُولِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلّمَ أو الصّحَابَةِ أَو التّابِعِيْن.

وقَدْ اعْتَمَدَ هذا النَّوْعَ مِن التَّفْسِيْرِ جُمْلَةٌ مِن عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، فَوضَعُوا الكُتُبَ والمَوْسُوعَاتِ في تَفْسِيْرِ القُرآنِ بِهذا الشَّكْلِ، وكَانَ مِنْ أَبْرَزِ هذه المؤلّفاتِ: جَامِعُ البَيَانِ في تَفْسِيْرِ القُرآنِ لابنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ، ومَعَالِمُ التَّنْزِيْلِ للبَغَوِيِّ، والمُحَرَّرُ الوَجِيْزُ في تَفْسِيْرِ الكِتَابِ العَزِيْزِ لابنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسيِّ، وتَفْسِيْرُ القُرآنِ العَظِيْمِ لابْنِ كَثِيْرِ، والدُّرّ المَنْثُور في التَّفِسِيْرِ المَأثُور للسُّيُوطيِّ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير