تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حَدَّثَنِي عَبّاسُ بنُ مُحَمّدٍ، قَالَ: ثَنَا حَجّاجٌ الأعْوَرُ، قَالَ: أَخْبَرَنا ابنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: ?فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ،? قَالَ: مَا يُصَبِّرُهُم عَلَى النّارِ حِيْنَ تَرَكُوا الحَقَّ واتَّبَعُوا البَاطِلَ.

حَدَّثَنا أَبُوكُرَيبٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ بن عَيّاشٍ: ?فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ،? قَالَ: هذا اسْتِفْهَامٌ، وَلَو كَانَتْ مِن الصّبْرِ قَالَ: فَمَا أَصْبَرُهُم رَفْعًا، قَالَ: يُقَالُ للرَّجُلِ: مَا أَصْبَرَكَ؟ مَا الّذي فَعَلَ بِكَ هذا.

حَدَّثَني يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنا ابنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابنُ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ?فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ،? قَالَ: هذا اسْتِفْهَامٌ، يَقُولُ: مَا هذا الّذي صَبَّرَهُم عَلَى النّارِ حَتّى جَرَّأَهُم فَعَمِلُوا بِهذا."

الثّانِيَةُ: التَّعَجُّبُ، ونَقَلَ لَنَا في هذا المَعْنى قَولاً عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "حَدَّثَنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيْعٍ, قَالَ: حَدَّثَنا أَبِي, عَن ابنِ عُيَيْنَةَ, عَنْ ابنِ أَبِي نُجَيْحٍ, عَن مُجَاهِدٍ: ?فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ،? قَالَ: مَا أَعْمَلَهُم بِأَعْمَالِ أَهْلِ النّار" ثُمّ قَالَ: "وهو قَوْلُ الحَسَنِ وقَتَادَةَ."

يُلاحَظُ في هذين القَوْلَيْنِ أَنَّ أَهْلَ التَّفْسِيْرِ بِالمَأْثُورِ شَارَكُوا في التَّوْجِيْهِ النّحْوِيِّ، وهذا وَاضِحٌ في قَوْلِ الأَوّلِ: "هذا عَلَى وَجْهِ الاسْتِفْهامِ وقَوْلِ الآخَرِ: "هذا اسْتِفْهَامٌ ثُمَّ إِنَّ تَفْسِيْرَهُم لِوَجْهِ الاسْتِفْهَامِ بِقَوْلِ أَحَدِهِمِ: "مَا هذا الّذي صَبَّرَهُم عَلَى النّارِ" تَوْجِيْهٌ نَحْوِيٌّ، فَأَهْلُ التَّفْسِيْرِ بِالمَأْثُورِ قَدْ شَارَكُوا في التَّوْجِيْهِ النَّحْوِيِّ، ولا غَرَابَةَ في ذلِكَ؛ لأَنَّهُم قَدْ عَاشُوا في بِدَايَاتِ جَمْعِ اللّغَةِ والتَّدْوِيْنِ والتَّقْعِيْدِ النَّحْوِيِّ.

وهذان الرَّأيانِ هُما أَبْرَزُ الآرَاءِ النَّحْوِيَّة في هذه الآيَةِ، وأَخَذَ بالقَوْلِ إِنَّه اسْتِفْهَامٌ أَبُو عُبَيْدَةَ مُعَمّرُ بنُ المُثَنّى، والكِسَائِيُّ، والفَرّاءُ، والمُبَرّدُ، ونُسِبَ إِلى ابنِ عَبّاسٍ، وابْنِ زَيْدٍ، وعَطَاءٍ، والسّديِّ، وأبُو بَكْر بنِ عَيّاشٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ، وأَمّا القَوْلُ إِنَّهُ تَعَجُّبٌ فَأَخَذَ بِهِ سِيْبَوَيْه، والزَّمَخْشَرِيُّ، وابْنُ عَطِيَّةَ، والعُكْبُرِيُّ، ونُسِبَ إِلى قَتَادَةَ، والحَسَنِ، وابنِ جُبَيْرٍ، والرَّبِيْعِ، ومُجَاهِدٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ.

وفي المَسْأَلَةِ آَرَاءٌ نَحْوِيَّةٌ أُخْرى، فَقَد يُفْهَمُ مِن كَلامِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنّها مَوْصُولَةٌ لا اسْتِفْهَامِيَّةٌ، فهو قَدْ صَرَّحَ بِمَوْصُولِيَّتِها في قَوْلِهِ: ?فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ? (مَا) في هذا المَوْضِعِ في مَعْنى الّذي، فَمَجَازُها: مَا الّذي صَبَّرَهُم عَلَى النّارِ، وَدَعَاهُمْ إِلَيْها، ولَيْسَ بِتَعَجُّبٍ،" ولَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَنْسِبُ إِلَيْه ذلك، إِلاّ أَنّ أَحَدَ المُفَسِّرِيْنَ ذَكَرَ أَنَّهُ قِيْلَ: إِنّها مَوْصُولَةٌ، ونُسِبَ هذا الرَّأيُ إلى الأَخْفَشِ.

وقِيْلَ: هي نَافِيَةٌ، ويُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ هذا مِمّا نُقِلَ عَن الحَسَنِ البَصْرِيِّ، قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ: "حَدَّثَنِي المُثَنّى, قَالَ: حَدَّثَنا عَمْرو بنُ عَوْنٍ, قَالَ: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ, عَن بِشْرٍ, عَن الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ?فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ? قَالَ: واللهِ مَا لَهُم عَلَيْها مِنْ صَبْرٍ, ولكَن مَا أَجْرَأَهُم عَلَى النَّارِ،" فيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِن هذا القَوْلِ أَمْرَانِ: يُفْهَمُ النَّفْيُ مِن الجُزْءِ الأَوّلِ مِن كَلامِهِ، ويُفْهَمُ التَّعَجُّبُ وتَفْسِيْرُ الصَّبْرِ مِن الجُزْءِ الثّانِي.

وقيل: هي مَوْصُوفَةٌ بِمَا بَعْدَها والخَبَرُ مَحْذُوفٌ، قَالَ أَبُو السُّعُودِ: "أَيْ: الّذي أَصْبَرَهُم عَلَى النَّار أو شَيءٌ أصْبَرَهُم عَلَى النّارِ أَمْرٌ عَجِيْبٌ فَظِيْعٌ."

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير