فكان الاعتصام بالسنن وضبط أحكام نقلها وأحوال نقلتها عاصماً من قبول الكذب إلا ما شاء الله.
وكان الفقه بالعربية واللسان الأول وكيف كانت العرب تتصرف في لسانها الذي جاء الوحي به،ثم الفقه بلسان كل متكلم من بعدُ وضبط أحكام فهم كلام المتكلم =عاصماً من الخطأ في تفسير الصدق إلا ما شاء الله.
فالواجب على من طلب علماً من العلوم إذا كان يروم الهدي الأول واللسان الأول أمور:
1 - أن يطلبَ ما يتعلق بكل مسألة من مسائل هذا العلم في كلام الله وكلام رسوله.
2 - ثم يطلبُ ما يتعلق بكل مسألة من مسائل هذا العلم في كلام صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
3 - ثم يطلبُ ما يتعلق بكل مسألة من مسائل هذا العلم في كلام التابعين وأتباعهم القرنين المفضلين بعد الصحابة.
4 - ثم يطلبُ ما يتعلق بكل مسألة من مسائل هذا العلم في كلام أئمة الهدى بعد القرون المفضلة وإلى زماننا هذا.
5 - ثم يطلبُ ما يتعلق بكل مسألة من مسائل هذا العلم في كلام أهل البدع من المعتزلة والأشاعرة وأضرابهم، وأن يُسميهم في ذلك بأسمائهم تلك فهم ما كتبوا في تلك العلوم إلا بمنهاج يتسق وأسماءهم تلك.
حتى إذا اجتمعت لديه مادة الباب وجب عليه أن يعلم:
6 - أن اللسان الأول العربي الذي نزل به القرآن كان قد بدأ اختلاطه بألسنة المولدين وألسنة نقلة العلوم عن اليونانية في آخر دولة بني أمية.
7 - وأن الهدي الأول الذي كانت عليه القرون المفضلة علماً وعملاً كان قد بدأ اختلاطه بما نقله المترجمون ونشرته المعتزلة وباقي الفرق الناقلة من مذاهب وآراء الفلاسفة.
8 - ولازالت معاول الهدم تلك تعمل في بناء الهدي الأول قرناً من بعد قرن، فملأت المعتزلة والأشاعرة وأضرابهم أبواب الإيمان والسنة ضلالاً وبدعاً. وأثرُ بدع المعتزلة والأشاعرة المولدة من الفلاسفة على أبواب الإيمان والسنة=ليس خافياً على جمهرة المشتغلين بالعلم من أهل السنة ولله الحمد.
9 - إلا أنَّ الذي غفل أو تغافل عنه أكثر المشتغلين بالعلوم الإسلامية ودسوا رؤوسهم في التراب فراراً منه،وزعموا عدم وجوده تارة، أو قلته تارة أخرى، أو انحساره في علوم معينة تارة ثالثة=هو أثر مولودي الفلسفة (الاعتزال والتمشعر) على باقي العلوم الإسلامية (النحو والصرف والبلاغة واللغويات وأصول الفقه وعلوم الحديث وعلوم القرآن) لم ينجُ علم من علوم الإسلام من هذا الأثر، وكيف لعلم أن ينجو وجمهرة علماء كل علم بداية من القرن الثالث الهجري (وهو القرن الذي كتبت فيه أصول كتب العلم التي يرجع إليها الناس اليوم) هم من المعتزلة وإخوانهم.
10 - وأئمة المعتزلة لم يشغلوا أنفسهم بضبط منهج التلقي والاستدل كما كان عليه الصدر الأول،وإنما شقوا لأنفسهم منهجاً علمياً ورثوه عن كتب الفلسفة اليونانية،ومن البين اللائح: أنهم حين يكتبون في أبواب العلم المختلفة إنما يصدرون عن هذا المنهج الذي امتلأت به قلوبهم، فأنى لنا أن نزعم أن كتاباتهم هذه ستكون موافقة للهدي الأول (؟؟)
11 - وهذا المنهج الذي ساروا عليه هو عين المنهج الذي سطروا وفقه مذاهبهم في الإيمان والسنة،ومعركتهم مع مخالفيهم في الإيمان والسنة هي أم المعارك، وكانوا واعين متنبهين لذلك، فما كتبوا في علم من العلوم إلا وأصولهم ومذاهبهم في الإيمان والسنة أمام أعينهم يشدون بما يكتبون في كل علم تلك الأصول ويعضدونها. ومن كان منهم غافلاً عن هذا،فيكفي وحدة المنهج العلمي المأخوذ عن الفلسفة اليونانية =ليُخرج ما يكتبه عن سنن الهدي الأول.
12 - وبواسطة معبر المعتزلة هذا وقع الأشاعرة وإخوانهم فيما وقع فيه المعتزلة فمقل ومستكثر حتى كان قرن الرازي فلم يبق بين الأشاعرة والمعتزلة فروق كبيرة في المنهج، وكان الأشاعرة من القرن الخامس قد تسلموا راية التصنيف في العلوم من المعتزلة.
¥