ـ[نورالدين شندول]ــــــــ[12 Sep 2009, 03:11 م]ـ
اخوتي في الله
السلام عليكم
لحمد لله الذي خَصَّ الأمة المحمدية بشرف الإسناد، وأعلى مقام الكتاب الكريم والسنة المطهرة في كل نادٍ، ويسر لمن استهداه سبيل الهدى والرشاد، وأقام علماء المسلمين من فقهاء ومحدثين حراساً أمناء على حفظ حديث خير العباد، نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم المصطفى والرسول الأمين المجتبى.
اللهم صلِّ أفضل صلاةٍ وسلم أكمل سلامٍ على سيدنا محمد الذي جاء بالدين القويم والصراط المستقيم وعلى آله وأصحابه الميامين، الذين استمعوا كتاب الله وحديث نبيه خير استماع واتبعوه أحسن اتباع ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فلطالما غفل الكثير من طلاب العلم في أيامنا هذه ــ إلا من رحم ربك ــ عن أمر ما رأيت شيئاً هو أعظم دفعاً في قلب طالب العلم، ولا أمضى في علاج آفاته، ولا أكثر عوناً على القول المقترن بالعمل، والعمل المقترن بالإخلاص، والإخلاص المقترن بالتواضع، أقول ما رأيت أمراً هو أجدى في ذلك كله من هذا الأمر الذي دفعني حقيقة إلى أن أكتب هذا الكلام، وأبذل فيه جهدي طالباً من الله سبحانه العفو عن الذلل والتقصير.
إذ كلما كان طالب العلم على معرفة ودراية، بأحوال الرجال وتراجمهم وسيرهم، كلما علت همته وقويت حافظته واهتدى قلبه وتنور بصره وبصيرته، فهو إذا رأى عظيم شأنهم، وكثرة رحلتهم في طلب العلم، وتكبدهم المشقات، وتعدد فنونهم وعلومهم، وطول سهرهم وقيامهم، وحالهم مع ربهم وورعهم، نظر إلى تقصيره واحتقر عمله واستصغر شأنه، فشدّ مئزره وقام يلحق القوم ويسير على قدمهم، ويخطو خطواتهم.
ولقد عُرِفَ علماء المسلمين بحبهم للرحلة في طلب العلم والإسناد العالي، فنرى أحدهم يسافر من بلد إلى بلد ليجلس بين يدي أحد العلماء الكبار ليأخذ عنه حديثاً أو حديثين لا يجدهما عند غيره من العلماء، واقرأ كتاب (الرحلة في طلب الحديث) للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي ترى العجب العجاب من أمر علماء المسلمين، وشدّة حرصهم على العلم والإسناد العالي في الحديث الشريف.
ورحم الله أبا الفضل العباس بن محمد الخراساني إذ ينشد فيقول: رحلتُ أطلبُ أصل العلمِ مجتهداً وزينة المرءِ في الدنيا الأحاديثُ
لا يطلب العلم إلا باذلٌ ذكرٌ وليسَ يُبغضُهُ إلا المخانيثُ
لا تُعجَبَنَّ بمالٍ، سوف تتركُه فإنما هذه الدنيا مواريثُ
إذ لما كان للإسناد أهمية كبيرة في صيانة الشريعة من التحريف والتبديل، وحفظها من الزيادة أو النقص، إذ بوساطته يمكن الاعتماد على صحة الحديث أو ضعفه، أو أنه خبر موضوع لا أصل له، لأننا حين نسمع بالخبر نعود إلى طريقه وهو السند، فنتعرف على رجاله وأحوالهم وصفاتهم، ونبحث عن أخلاقهم ومدى صدقهم والتزامهم لدينهم، وعن صلة بعضهم ببعض وإمكان نقله عنه ونحو ذلك، وعندها نقبل الحديث أو نرده، بناءً على ما نتوصل إليه بنتيجة البحث والتمحيص، ولولا السند والإسناد لما كان بالإمكان معرفة شيء
من ذلك.
وهذه الطريقة في رواية الأخبار بالسند لم تكن معروفة قبل الإسلام، حتى إذا جاء الإسلام وجدنا أن المسلمين يقررون: أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ويقررون: أن الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، ويقررون: أنه لا يؤخذ بالخبر، ولا يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا إذا عرف من حدث به عنه، ومن نقله إلينا، وعرف حاله من الصدق والضبط وقوة الحفظ.
وإذا كان الإسناد في الأخبار من خصائص هذه الأمة الإسلامية، فذلك مزيد فضل الله تعالى الذي امتن به عليها إذ وعدها بحفظ ما أوحى به إلى نبيها عليه الصلاة والسلام من تشريع فقال جل وعلا: {إنَّا نحن نزَّلنا الذِّكرَ وإنَّا له لحافظون ** [الحجر9]، وإذا كان الذكر هو القرآن الكريم، فإن حديث النبي عليه الصلاة والسلام هو المبين له، والمفصل لأحكامه، فكان حفظه بحفظه.
واسمع لكلام الإمام الشافعي رضي الله عنه إذ يقول: (مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى وهو لا يدري!) وقال بعض الحفاظ: (مثل الذي يطلب دينه بلا إسناد مثل الذي يرتقي السطح بلا سلم، فأنى يبلغ السماء!)، وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى: (ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد)، وقال الحافظ يزيد بن زُرَيْعٍ رحمه الله تعالى: (لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد)، وهذا أبو العالية يقول: (كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم بالمدينة بالبصرة فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم)، وقال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: (طلبُ علوِّ الإسنادِ من الدين).
فإذن خصيصة الإسناد هذه أهم خصائص الأمة المحمدية، فقد كان السند هو الشرط الأول في كل علم منقول فيها، حتى الكلمة الواحدة، يتلقاها الخالف عن السالف، واللاحق عن السابق بالإسناد.
لذلك علينا إخوتي
أن نتحرى ماننقل و أن يكون مصدرنا مصدر موثوق وأن لا
ننشر أي شيء حتى نتأكد من صحته.
والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِنَا مُحَمَّدٍ، عليه الصّلاةُ والسّلامُ