ويجوز أن تكون (من) موصولة مبتدأ ثانياً، وجملة (وجد في رحله) صلة الموصول. والمعنى أن من وجد في رحله الصوَاع هو جزاء السرقة، أي ذاته هي جزاء السرقة، فالمعنى أن ذاته تكون عِوضاً عن هذه الجريمة، أي أن يصير رفيقاً لصاحب الصواع ليتمّ معنى الجزاء بذات أخرى. وهذا معلوم من السياق إذ ليس المراد إتلاف ذات السارق لأن السرقة لا تبلغ عقوبتها حدّ القتل. فتكون جملة (فهو جزاؤه) توكيداً لفظياً لجملة (جزاؤه من وجد في رحله)، لتقرير الحكم وعدم الانفلات منه. وقد حَكَم إخوة يوسف عليه السلام على أنفسهم بذلك وتراضوا عليه فلزمهم ما التزموه.
(قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) [يوسف:77] ماذا يقصدون؟
لما بُهتوا بوجود الصُّوَاع في رحل أخيهم اعتراهم ما يعتري المبهوت فاعتذروا عن دعواهم تنزُّهِهم عن السرقة إذ قالوا: (وما كنا سارقين) عذراً بأن أخاهم قد تسرّبت إليه خصلة السرقة من غير جانب أبيهم فزعموا أن أخاه الذي أشيع فقده كان سرق من قبلُ، وقد علم فتيان يوسف عليه السلام أن المتهم أخ من أمّ أخرى، فهذا اعتذار بتعريض بجانب أمّ أخويهم وهي زوجة أبيهم، فكان قولهم: (قد سرق أخ له من قبل) بهتاناً ونفياً للمعرة عن أنفسهم.
مما شاع أن قول يعقوب عليه السلام (سوف أستغفر لكم ربي) يدل على التسويف، فهل يصح هذا؟
الذي يعلم من السياق أنه استغفر لهم في الحال بدلالة الفحوى؛ ولكنه أراد أن ينبههم إلى عظم الذنب وعظمة الله تعالى وأنه سيكرر الاستغفار لهم في أزمنة مستقبلة.
وقيل: أخّر الاستغفار لهم إلى ساعة هي مظنة الإجابة. وعن ابن عباس مرفوعاً أنه أخر إلى ليلة الجمعة، رواه الطبري. وقال ابن كثير: في رفعه نظر.
قال تعالى: (أفلم ييأس الذين آمنوا ألو يشاء الله لهدى الناس جميع) [الرعد: 31] ما دلالة كلمة (ييأس) على المقصود؟ (ييأس) بمعنى يوقن ويعلم، ولا يستعمل هذا الفعل إلا مع (أن) المصدرية، وأصله مشتق من اليَأس الّذي هو تيقّن عدم حصول المطلوب بعد البحث، فاستعمل في مطلق اليقين على طريقة المجاز المرسل بعلاقة اللزوم لتضمن معنى اليأس معنى العلم وشاع ذلك حتى صار حقيقة، ومنه قول سُحَيم بن وَثيل الرياحي:
أقول لهم بالشّعْب إذ يَيْسرُونَنِي ألم تأيسوا أني ابنُ فارس زهدم
وشواهد أخرى.
وقد قيل: إن استعمال يَئِس بمعنى عَلِم لغة هَوازن أو لغة بنِي وَهْبيل (فخذ من النخَع سمي باسم جَد). وليس هنالك ما يلجىء إلى هذا. هذا إذا جعل (أن لو يشاء الله) مفعولاً لـ (ييأس).
ويجوز أن يكون متعلق (ييأس) محذوفاً دل عليه المقام. تقديره: مِن إيمان هَؤلاء، ويكونَ (أن لو يشاء الله) مجروراً بلام تعليل محذوفة. والتقدير: لأنه لو يشاء الله لهدى الناس، فيكون تعليلاً لإنكار عَدَم يأسهم على تقدير حصوله.
ما سر التعبير بقوله تعالى: (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) [إبراهيم: 46] للدلالة على أن مكرهم ليس بشيء؟
في هذا تعريض بأن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين يريد المشركون المكر بهم لا يزعزعهم مكرهم لأنهم كالجبال الرواسي.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[05 Sep 2009, 06:36 م]ـ
الجزء الرابع عشر
علامَ يعود الضمير في قوله تعالى: (وإنهما لبإمام مبين) [الحجر: 79]؟ لأنه قد تقدم قوله: (وإنها لبسبيل مقيم)
ضمير (إنهما) لقرية قوم لوط وأيكة قوم شعيب عليهما السلام.
والإمام: الطريق الواضح لأنه يأتمّ به السائر، أي يعرف أنه يوصل إذ لا يخفى عنه شيء منه. والمبين: البيّن، أي أن كلتا القريتين بطريق القوافل بأهل مكّة.
وقد تقدم قوله (وإنها لبسبيل مقيم) فإدخال مدينة لوط عليه السلام في الضمير هنا تأكيد للأول.
ويظهر أن ضمير التثنية عائد على أصحاب الأيكة باعتبار أنهم قبيلتان، وهما مدين وسكان الغيضة الأصليون الذين نزل مدين بجوارهم، فإن إبراهيم عليه السلام أسكن ابنه مَدين في شرق بلاد الخليل، ولا يكون إلا في أرض مأهولة. وهذا عندي هو مقتضى ذكر قوم شعيْب عليه السلام باسم مَدين مرّات وباسم أصحاب الأيكة مرّات.
قال تعالى: (أو يأخذكم على تخوُّف فإن ربكم لرءوف رحيم) [النحل: 47] ما أقوال العلماء في معنى التخُّوف؟
التخوّف في اللغة يأتي مصدر تخوّف القاصر بمعنى خاف ومصدر تخوّف المتعدّي بمعنى تنقّص، وهذا الثاني لغة هذيل، وهي من اللغات الفصيحة التي جاء بها القرآن.
¥