ـ[محبة القرآن]ــــــــ[04 Sep 2009, 09:56 م]ـ
الدرس الثاني
في بيان ما يثبت به دخول شهر رمضان المبارك
الحمد لله الذي جعل الأهلة مواقيت للناس، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ـ أما بعد
قال الله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " [البقرة 185] فقد أوجب الله سبحانه في هذه الآية على عباده صوم شهر رمضان كله من أوله إلى آخره، وأوله
يعرف بأحد أمرين
الأمر الأول رؤية هلاله
لما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له " [أخرجه البخاري رقم 1900، ومسلم رقم 1080/ 8] وروى الإمام أحمد والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه " [أخرجه البخاري رقم 1906، ومسلم رقم 1080/ 3، واللفظ لهما وفيه عندهما زيادة وهي الجملة الأخيرة في الحديث السابق وهي قوله "فإن غم عليكم فاقدروا له " كما في البخاري " فإن أغمى عليكم فاقدروا له " وهي عند مسلم]،
وروى الطبراني عن طلق بن علي رضي الله عنه: أن الله جعل هذه الأهلة مواقيت فإذا رأيتموه فصوموا وإذا وإذا رأيتموه فأفطروا " [أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 8/ 397 رقم 8237] وروى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما " جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوما لرؤيته وأفطروا لرؤيته " [أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 423 وأحمد في المسند 4/ 23 والدارقطني في سننه 2/ 163 وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي]
ففي هذه الأحاديث الشريفة تعليق وجوب صوم رمضان برؤية هلاله، والنهي عن الصوم بدون رؤية الهلال، وأن الله جعل الأهلة مواقيت للناس بها بها يعرفون أوقات عبادتهم ومعاملاتهم، كما قال تعالى " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " [البقرة 189]
وهذا من رحمة الله بعباده وتيسيره لهم، حيث علق وجوب الصيام بأمر واضح وعلامة بارزة يرونها بأعينهم، وليس من شرط ذلك أن يرى الهلال كل الناس بل إذا رآه بعضهم ولو كان شخصا واحدا لزم الناس كلهم الصيام.
قال ابن عباس: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، يعني هلال رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أتشهد أن لا إله إلا الله " قال نعم، قال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا " رواه أبو داود.
وروى أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه " [أخرجه أبو داود رقم 2342]
الأمر الثاني
مما يثبت به دخول شهر رمضان إذا لم يُر الهلال إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، قال عليه الصلاة والسلام " فإن غم عليكم فاقدروا له " متفق عليه، ومعنى "غم عليكم " أي إذا غطى الهلال شيء حال دون رؤيته ليلة الثلاثين من شعبان ـ من غيم أو قتر، فقدروا عدد شهر شعبان تاما بأن تكملوه ثلاثين يوما،
كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر " فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " متفق عليه،ومعنى هذا تحريم صوم يوم الشك وقد قال عمار بن ياسر رضي الله عنه " من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم " [أخرجه أبو داود رقم 2334 والترمذي 686 والنسائي 2190 وابن ماجه 1645 وقال أبو عيسى الترمذي حسن صحيح]
فالواجب على المسلم اتباع ما جاء عن الله ورسوله في صيامه وفي عبادته كلها، وقد حدد الله ورسوله معرفة دخول شهر رمضان بإحدى علامتين ظاهرتين يعرفهما العامي والمتعلم: رؤية الهلال أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، فمن جاء بشيء يزعم أنه يجب به الصوم غير ما بينه الشارع فقد عصى الله ورسوله [وزاد على ما شرعه الله ورسوله وابتدع في الدين ماليس منه " وكل بدعة ضلالة "] كالذي يقول إنه يجب العمل بالحساب الفلكي في دخول شهر رمضان، هذا مع أن الحساب عرضة للخطأ وهو أمر خفي لا يعرفه كل أحد،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إني رأيت الناس في شهر صومهم وفي غيره أيضا منهم من يصغي إلى ما يقوله بعض الجهال أهل الحساب من أن الهلال يرى أو لا يرى، ويبني على ذلك إما في باطنه وإما في باطنه وظاهره حتى بلغني أن من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب أنه يرى أو لا يرى فيكون ممن كذّب بالحق لما جاءه، إلى أن قال فإنا نعلم بالاضطرار من دين الاسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الايلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلا ولا خلاف حديث ـ انتهى [فتاوى شيخ الاسلام 25/ 131، 132]
وفي هذا مشقة على الأمة وحرج، وقد قال الله تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج " [الحج 78]
فالواجب على المسلمين الاقتصار على ما شرعه الله ورسوله، كما يجب على المسلمين الاقتصار على ما شرعه الله في غير شأن الهلال، والتعاون على البر والتقوى، والله ولي التوفيق.
يتبع ..
¥