وأنَّه أُنزِلَ بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ، فكيف يكون مُبيناً وفيه معانٍ لم تعهدها العرب إلى أن جاء العلمُ الحديثُ فكشفَ النِّقابَ عنها؟؟!! وإذا كان أبو العباس المبرّدُ يعدُّ التشبيهَ البعيدَ الذي لا يقومُ بنفسِه، والذي يحتاجُ إلى تفسيرٍ من أخشنِ الكلامِ، فكيف بمن يدَّعي أنَّ العربَ الأوّلين، ومن جاء بعدهم، ولقرونٍ متطاولةٍ لم يفهموا المرادَ بالآيةِ؟! إنَّ تفسيرَ الآيةِ بما كشف عنه العلمُ الحديثُ يكون من أخشنِ الكلامِ إذن، وهو أبعدُ ما يكونُ عن البلاغةِ وحسنِ الإفهامِ.
يقولُ الإمامُ عبد القاهر الجُرجانيُّ في هذا المعنى: (وكذلك كانَ من حقِّ الطائفةِ الأخرى (6) أن تعلمَ أنَّه عزَّ وجلَّ لم يرضَ لنظمِ كتابِه الذي سمّاه هدىً وشفاءً، ونوراً وضياءً، وحياةً تحيا بها القلوبُ، وروحاً تنشرحُ عنه الصّدورُ، ما هو عندَ القومِ الذين خوطبوا به خلافُ البيانِ، وفي حدِّ الإغلاقِ والبُعدِ من التِّبيانِ، وأنَّه تعالى لم يكن ليُعْجِزَ بكتابِه من طريقِ الإلباسِ والتَّعميةِ، كما يتعاطاه المُلغِزُ من الشُّعراءِ والمُحاجي من النّاسِ، كيفَ وقد وصفَه بأنَّه عربيٌّ مبينٌ) (7).
وما من شكٍّ أن تأويلَ الآيةِ على ما يدّعيه أربابُ الإعجازِ العلميِّ تأويلٌ على خلافِ البيان، وفي حدِّ الإغلاقِ والبُعدِ من التِّبيانِ، وأنَّه أولى بأن يكونَ إلباساً وتعميةً وإلغازاً، فكيف وهو عربيٌّ مُبينٌ؟
الحواشي:
ـــــــــــــــ
(1) الجامع لأحكام القرآن، تفسير القرطبي، ج 7 ص 54.
(2) الكشاف للزمخشري، ج 2 ص 61.
(3) فتح القدير للشوكاني، ج 2 ص 201.
(4) التفسير الكبير "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي، ج 13 ص 183.
(5) دلائل الإعجاز، ص 120.
(6) المقصود بالطائفة الأخرى الطائفة المُفرطةُ في التّأويلِ، ذلك أن الإمامَ الجرجانيَّ يتحدثُ عن طائفتين، طائفةٍ مُفَرِّطَةٍ تحملُ كلَّ الألفاظَ على ظواهرها دون تأويلٍ والمقامُ مقامُ تأويلٍ، وطائفةٍ مُفْرِطَةٍ تتعاطى غرائب التأويل، وتستكره الألفاظ على ما لا تحتمل من المعاني، والمقامُ مقام الأخذ بالظاهر. وحديثنا هنا عن الطائفة الثانية التي تبحث في غرائب التأويل مع أن الفائدة بادية ظاهرة، إما حباً للتشوُّف، أو قصداً للتمويهِ والزيغ.
(7) أسرار البلاغة، ص 394.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[12 Sep 2009, 06:34 م]ـ
لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم (لو صعد أحدكم في السماء انقطع نفسه) على هذا الوجه من التصريح لقبلنا ذلك منك، أو من أرباب الإعجاز العلمي، ويكون هذا منزلاً منزلة الأخبار الصادقة التي أخبر بها الحبيب المصطفى، وانكشفت لنا من بعده، كما أخبر بفتح القسطنطينية صلى الله عليه وسلم.
الله تعالى أخبرنا أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويكون حرجا، ومن خوطب بهذا القرآن بل البشرية كلها لم تكن تعرف التصعد في السماء كيف يكون لأكثر من ألف سنة ونيف، حتى عرف الطيران وتبين أن الإنسان بحاجة إلى أجهزة تساعده على التنفس كلما صعد إلى طبقات الجو العليا.
وبهذا ظهر شاهد على صدق هذا القرآن أنه من عند الله تعالى، وإلا فمن أين للرسول صلى الله عليه وسلم لو كان هذا القرآن من كلامه في ذلك الزمن أن يعرف أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويصبح حرجا؟
فلا داعي أخي الكريم للمكابرة وإنكار الحقائق، وأنت لو تأملت قوله تعالى " ضيقا حرجا" وعرفت حال من يفقد القدرة على التنفس لفقد الأكسجين لعرفت ما في الآية من إعجاز.
ـ[بكر الجازي]ــــــــ[12 Sep 2009, 06:50 م]ـ
الله تعالى أخبرنا أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويكون حرجا، ومن خوطب بهذا القرآن بل البشرية كلها لم تكن تعرف التصعد في السماء كيف يكون لأكثر من ألف سنة ونيف، حتى عرف الطيران وتبين أن الإنسان بحاجة إلى أجهزة تساعده على التنفس كلما صعد إلى طبقات الجو العليا.
عجباً لك أخي ...
في أول مشاركاتك هنا قلتَ إن العرب كانت تعرف هذا، والآن تقول إنها لم تكن تعرفه لأكثر من ألف سنة ونيف!!
فكيف يستقيم هذا؟!
ألست أنت القائل:
ما ذكرته بخصوص الآية فإن الله تبارك وتعالى أخبر أنه يجعل صدر الكافر الذي كتب الله عليه الضلالة " ضيقا حرجا" وهذه صورة معقولة يفهمها السامع ثم شبهها بصورة متخيلة ولكنها معقولة وهي قوله" كأنما يصعد في السماء"، والتصعد أو الصعود إلى السماء هو الصعود إلى العلو، والمخاطبون بهذا القرآن ابتداء هم أهل مكة
وإدراك هذا التشبيه أمر ممكن وميسور لهم بسبب طبيعة بلدهم الجبلية، فإن الصاعد في الجبل كلما ارتفع كلما ضاق صدره وصعب تنفسه وزادت ضربات قلبه، لكن هل كان أهل مكة يدركون سر هذا الضيق والحرج عند صعود الجبال وأن ذلك بسبب نقص الأكسجين؟ بالتأكيد لا. فلما ظهرت الكشوف العلمية وتبين أن حياة الإنسان تتوقف على وجود غاز الأكسجين في الهواء ,وأن الإنسان كلما ارتفع إلى طبقات الجو العليا كلما قل غاز الأكسجين ويصبح تنفس الإنسان بصعوبة حتى يصل إلى مرحلة ينعدم فيه الأكسجين ومن ثم يحصل الاختناق.
.
وقلت لك عندها إنني لو سلمت لك هذا الوجه من التشبيه فليس فيه أي دلالة على ما يدعى من إعجاز علمي، ذلك أن ضيق الصدر بسبب صعود الجبال شيء، وكون هذا بسبب نقصان الأكسجين شيء آخر، والقرآن ذكر ضيق الصدر عند صعود (الجبال) على رأيك ولم يذكر لنا أن هذا بسبب نقصان الأكسجين ...
وبهذا ظهر شاهد على صدق هذا القرآن أنه من عند الله تعالى، وإلا فمن أين للرسول صلى الله عليه وسلم لو كان هذا القرآن من كلامه في ذلك الزمن أن يعرف أن الذي يصعد في السماء يضيق صدره ويصبح حرجا؟
هذا لو سلمنا لك أن هذا هو معنى الآية، أما وهذا محل نزاع، فهذه مصادرة على المطلوب ...
فلا داعي أخي الكريم للمكابرة وإنكار الحقائق، وأنت لو تأملت قوله تعالى " ضيقا حرجا" وعرفت حال من يفقد القدرة على التنفس لفقد الأكسجين لعرفت ما في الآية من إعجاز.
ليست هذه مكابرة، ونعوذ بالله من ذلك ...
وقد جيتك بأقوال المفسرين فتأملها، وانظر فيها ...
¥