وأدنى نظر منك يا أستاذ حسن سيُوقفك على قول الله: {يا بني آدم خذوا زينتكم} يقول الطبري: أي من الكساء واللباس ..
بل مقتضى النظر وهو الذي أشار إليه صاحب الموضوع: ألا تُنكر أن اللباس يستعمل له لفظ الزينة ولكنك أتيت لتبحث في تقرير أنه معنى مجازي وليس أصلي ..
وانتهى الأمر إلى أن أوضح لك ما هو قولك ..
رحماك يا رب!
عجيب أمرك كيف أنك لم تفهم القصد، أم أنك فهمته وحاولت التلبيس على القرّاء الكرام
فهذه الآية الكريمة عندما ورد فيها ما يواري السوأة سمي لباسا، أي ليس زينة، أما الزينة فهي أكمل من اللباس.
مؤدّى ذلك أنه ليس من المعاني اللغوية المستخدمة في أصل الوضع اللغوي لكلمة اللباس الزّينة. وهذا أمر ظاهر في الآية الكريمة، ولا اجتهاد في موضع النص، حتى لو أنك فهمت كلام ابن مجاهد عليه رحمة الله تعالى على ماذكرت حضرتك سابقا.
والقرآن الكريم لم يوصف بأنّه نزل بلسان عربيّ بيّن فقط، بل بلسان عربيّ مُبِين.
أما الآية الكريمة:
(وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ َ)
فأنقل فيها ما ورد في التفسير:
((قوله تعالى: " وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ "
15260 - حَدَّثَنَا أَبِي, ثنا أَبُو صَالِحٍ, حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ, عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قوله:" " وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ " وَهُوَ أَنْ تَقَرَعَ الْخَلْخَالَ بِالآخَرِ عِنْدَ الرِّجَالِ, أَوْ يَكُونَ فِي رِجْلَيْهَا خَلاخِلُ فَتُحَرِّكَهُنَّ عِنْدَ الرِّجَالِ, فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ, لأَنَّهُ مِنْ عَمِلِ الشَّيْطَانِ)) تفسير ابن أبي حاتم - (10/ 113)
وحتى ينجلي الأمر لجميع القرّاء الكرام، فإنني أتابع من سبقني من سلف هذه الأمّة بما بيّنوه من أوجه اللغة العربية وأساليب البيان العربي، من بديع وجناس، وتشبيه، وحقيقة، ومجاز، وكناية، والتفات ...
ومن هذا الباب وحده يجوز أن نطلق على الولد زينة، وعلى المال زينة، فالمال ليس هو الزينة بذاته إلا إن كان ذهبا واتُّخِذ بعضَه حليّا على نحو ما كانت تتزين به النساء بالدنانير الرشادية (الذهبية)، أما نقود اليوم فليست زينة بذاتها، بل هي ما يجلب الزّينة.
ومن بلاغة القرآن الكريم تقديم المال على البنين في قوله تعالى: ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)) (الكهف:46) إذ هي سبب عدّ البنين زينة ونعمة، فابتدأت الآية الكريمة بذكرها.
وعند عدم النظر إلى وجود المال أو عدم وجوده عدّ إنجاب البنين من الشهوات قال تعالى: ((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)) (آل عمران:14)
وعدم وجود المال قد يدفع بأحد الأبوين إلى قتل أبنائه، قال تعالى:
((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) (الأنعام:151) ((وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً)) (الاسراء:31)
ومن لم يرقب رضى الله في أمواله وأولاده كانوا له فتنة، قال تعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) (لأنفال:28)
وبعض الأبناء قد يكونون وبالا على أهلهم قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (التغابن:14) ((فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً)) (الكهف:74) ... ((وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً)) (الكهف:80) ((أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ)) (المؤمنون:55 - 56) فالولد ليس زينة على الحقيقة، ولا المال زينة على الحقيقة .... وليس من أصل الوضع اللغوي الظاهر لمعنى الولد الزينة بل هذا كلّه أسلوب من أساليب العرب التي نزل بها القرآن الكريم.
والله سبحانه وتعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
¥