وإذا كما أقررت أنه لا يلزم من القدرة على الخلق وجود المخلوق، فيرتفع الإشكال ويثبت صدق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: كان الله ولا شيء معه، أو لا شيء غيره.
فافترض في ذهنك أنه سبحانه لم يزل موصوفا بالقدرة، ومع ذلك أراد أن لا يوجد شيئا في الأزل، وهو سبحانه يفعل ما يريد، وقد أراد عدم إيجاد المخلوقات أزلا، كما أخبر بذلك في القرآن في آيات بدء الخلق وفي الحديث الشريف الصحيح الناص على ذلك بحيث لا يحتمل التأويل.
فالذي يجب فهمه أن القدرة على الخلق لا تستلزم الخلق بالفعل، وأن الله تعالى كان ولا شيء معه بما في ذلك الوقت والحين والزمن الذي أدى بك إلى اعتقاد أنه مرت أزمان ودهور لم يخلق الله تعالى فيها شيئا.
فالزمان ليس موجودا مع الله في الأزل لأنه مخلوق كباقي المخلوقات. فلا يمكنك القول بأنه مرت أزمة ودهور لم يخلق فيها اللهُ ذرة.
وأيضا لو فرض وجود زمان وهمي فالله تعالى أراد أن لا يخلق فيه مع أنه قادر على ذلك، كما أنه أراد أن يجعل للقيامة زمانا معينا ليس هو فيما مضى من الأزمان، مع أنه قادر على جعل يوم القيامة قبله بقليل أو كثير. والله يفعل ما يريد ولا يفعل ما لا يرد فعله. وقد بين الحديث أنه تعالى كان ولم يكن شيء معه، فهو تعالى لم يرد الخلق في الأزل فلم يخلق، وهذا من نفوذ إرادته سبحانه.
أما شبهة أن الله سمى نفسه خالقا فيجب أن يخلق، فلتعلم أن التسمية ليست متوقفة على وجود المخلوق، وإلا فسيكون اسمه الخالق حادثا كما قالت المعتزلة لأنك تقول بأن أفراد الحوادث حادثة، فهو قبل أن يخلق كل فرد من أفراد تلك المخلوقات لم يكن يسمى خالقا على قولك، لكنه يسمى خالقا في الحقيقة وإن لم يوجد الخلق بالفعل وذلك لأن اسمه الخالق يعود إلى تسمية نفسه بكلامه، وهو يسمي نفسه بما شاء في أزله سبحانه وتعالى، وقد سمى نفسه خالقا لأنه قادر على الخلق، ولو لم يوجد المخلوق عندما سمى نفسه خالقا، كما أن بعض الأسماء تظهر تعلقاتها يوم القيامة مع أن يوم القيامة لم يحدث بعد.
أرجو أن تتأمل جيدا.
ـ[عبدالله بن بلقاسم]ــــــــ[17 Oct 2009, 05:11 م]ـ
وما كل دار أقفرت دارة الحمى
وما كل بيضاء الترائب زينب
سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[17 Oct 2009, 05:26 م]ـ
أما قولك لا يلزم من قدرته على الخلق أن يفعله، فصحيح أنه لا يلزم من هذا الوجه
لكن يلزم من أمور أخرى منها
أن الله سما نفسه الخلاق، والخالق، وأحسن الخالقين، ومن هذه صفته فهل من الكمال أن يبقى دهورا وآمادا لا يخلق فيها مثقال ذرة
وأظن تصور هذا يكفي استبعاده
بارك الله فيك وجزاك خيرا، فقد أعدت إلينا شيئا من لذائذ الحوار والمناقشة.
الأخ الفاضل عبد الله
استمتعت بكلامك الرصين في مداخلاتك مع الأخ على والذي يدل على أنه صادر عن شخص متمكن ويتكلم عن علم، ولكن كلامك المقتبس أعلاه يحتاج منك إلى إعادة نظر لأنك أعملت عقلك مقابل النص.
ـ[علي أبو عائشة]ــــــــ[17 Oct 2009, 06:02 م]ـ
هلا بينت لنا أخي حجازي ما الخلل في نظرك في كلام الأخ عبد الله؟
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[17 Oct 2009, 06:16 م]ـ
هلا بينت لنا أخي حجازي ما الخلل في نظرك في كلام الأخ عبد الله؟
بكل سرور أخي الكريم
الخلل في كلامه هو ما نبهت أنت إليه في مداخلتك وهو أنه لا يلزم من كون الله تعالى متصف بصفة الخلق أن يوجد مخلوق منذ الأزل ونفينا هذا اللزوم مبني على النص لا على إجتهاد عقلي كما فعله الأخ عبد الله حيث أعمل عقله مقابل النص فقال:
"أن الله سما نفسه الخلاق، والخالق، وأحسن الخالقين، ومن هذه صفته فهل من الكمال أن يبقى دهورا وآمادا لا يخلق فيها مثقال ذرة
وأظن تصور هذا يكفي استبعاده"
فهذا الاستبعاد من الأخ عبد الله مبني على اجتهاد عقلي في فهم مدلول أسماء الله وصفاته مقابل النصوص الصريحة المبينة للقضية.
أرجو أن أكون قد أجبتك.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[17 Oct 2009, 08:18 م]ـ
الأخوة الكرام،
1. قول الله تعالى:" الله خالق كل شيء"، يدل على أن: كل شيء غير الله فهو مخلوق.
2. علم الله بما سيخلق أزلي لا بداية له. فلا تنفك صفة العلم عن صفة الإرادة ولا عن صفة الخلق. ومن هنا لا إشكال.
3. المأزق العقلي لدى البشر هو الآتي: عندما خلق الله أول خلق كان قد مضى زمن لا نهائي على إرادة الله أن لا يخلق. ولو خلق قبل أو خلق بعد لكان السؤال: لماذا الآن طالما أنه لا فرق بين أن يكون الخلق الآن أو قبل الآن أو بعد الآن؟! أي طالما أن اللانهائي لا يقبل الزيادة أو النقصان، فلماذا الآن وليس قبل الآن؟!
لا شك أن هذا مأزق عقلي. ويرجع ذلك إلى عجز العقل البشري عن تصور اللانهائي. ويرى البعض إن ذلك يرجع إلى أن مفهوم الزمن وجد بوجود المادة. ولو لم يحس الإنسان بالوجود المادي لما تشكل لديه مفهوم الزمن. وعليه لم يكن هناك زمن قبل الوجود المادي. وممن ذهب إلى أن مفهوم الزمن يأتي بعد الإحساس بالوجود المادي أينشتاين.
هذا الكلام لا يكفي لإزالة حيرة الإنسان، ومن هنا يأتي النص الديني ليخبرنا أن الأزلية لا تكون إلا لله الخالق الذي خلق كل شيء. والفلاسفة الذين خاضوا بمثل هذا الأمر تناقضوا وكان الأجدر بهم أن يعلموا حدود العقل. فعندما يبدأ الإنسان يشعر بعجزه عن تصور مفهوم اللانهائي، وعندما يشعر بتناقض معطيات العقل لديه، عليه أن يدرك أن لا مجال للخوض بعيداً عن عالم المدركات المستندة إلى الحس والبدهيات العقلية.
¥