تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران/164]. فكانوا في جاهلية جهلاء, وضلالة عمياء, فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة العربية، التي كان بعضها يأكل بعضاً، وينزو بعضها على بعض, ويقتتلون السنين الطوال، من أجل بيت شِعْر، أو شطره، أو لأجل بعير، أو مرعى، أو ماء، أو نحو ذلك, فجعل الله تعالى منهم أمة قوية متحابة, وفتح بهم القلوب، قبل أن يفتح بهم الحُصون. وفي سُنيات معدودة طبّق دين الله تعالى الأرض المعمورة, وكل هذا ببركة القرآن, تمثّلوه فرفعهم الله تعالى به, ولن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أوّلها. ولذلك كان ينبغي لكل عاقل، لبيب، حازم، أريب، أن يتوجه إلى النبع الأول, النبع الصافي، ويدع السّواقي, يَبتدئ بما أنزل الله على نبيه من الكتاب والحكمة, فيَعمد إلى الكتاب والسنة، يستقي منهما. وليس هذا تقليلاً من العلوم الفرعية؛ فإن العلوم الفرعية بمنزلة الآلة، أو الضَّوء، الذي يكشف بعض مراد الله عز وجل, لكن على الإنسان أن يَعمد إلى النبع فيستقي منه, فإذا وجدت ماء جارياً وله فروع, فإن الكسول يُمكن أن يذهب إلى إحدى هذه الفروع الضحلة، والسواقي فيملئ منها إناءه، ولكن صاحب الهمة يقول: مالي آخذ من هذه السواقي التي فيها شوب، وكدر، وطين، مع الماء! بل أذهب إلى هذه العين المتفجرة، المتدفقة، الصافية، فأستقي منها.

فلأجل هذا، رأيت عقد دروس في تفسير القرآن العظيم, حتى نعيش في روضات أنيقات، من كلام الله عز وجل، الذي به صلاح القلوب، وصلاح الحياة كلها, ورأيت التركيز على التفسير العقدي, فإنه أساس هذه الأمة، وأساس صلاح القلب, واخترت لهذا جزء عم, آخر أجزاء القرآن العظيم. ويظهر في سور هذا الجزء أثر الاعتقاد فيما أنزله الله تعالى على عباده، في العهد المكي. فكل سور هذا الجزء نزل بمكة باستثناء سورتين، هما سورة البيّنة، وسورة النصر. وما سواهما، فكله مكي. ويظهر فيه ملامح، وخصائص السور المكية من التركيز على مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وأصول الإيمان، وما أحوجنا في هذا الزمان وفي كل زمان إلى استحياء هذه المعاني وتقويتها في القلوب والنفوس.

وسأتناول هذه السور، بإذن الله تعالى، على الطريقة التالية:

أولاً: أبين مقاصد السورة, فإن الله سبحانه وتعالى ما جعلها سورة مسوّرة إلا ولها موضوع، أو موضوعات مترابطة.

ثانياً: أقوم بتجزئة هذه السورة، إن كانت طويلة، إلى أجزاء ذات رابط موضوعي, فكل طائفة من الآيات تكون متناسبة فيما بينها عند التأمل.

ثالثاً: أشرع في التفسير التحليلي لهذه المقاطع, ببيان مفرداتها وما قيل فيها, وتراكيبها وما يفتح الله تعالى من علم وخير.

رابعاً: أقوم باستنباط الفوائد العقدية، والإيمانية، والتربوية المميزة، من هذا المقطع. وعلى هذا النهج أسير بعون الله تعالى.


(1) أخرجه البخاري برقم (4981)؛ ومسلم برقم (152).

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[11 Nov 2009, 07:59 م]ـ
بسم اله الرحمن الرحيم

التفسير العقدي لجزء عم

سورة المطففين (المقطع الأول)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)

سورة المطففين من السور المكية. ومن مقاصد هذه السورة:

المقصد الأول: بيان العلاقة الوثيقة بين العقيدة والسلوك, والإيمان والقيم: فهي تعالج ظاهرة سيئة كانت موجودة عند المخاطبين، وهي تطفيف الميزان، وقد يبدو لبعض الناس أن مثل هذا الانحراف، من الأمور الفرعية التي ليس هذا أوان بحثها، وعلاجها, لكن إيراد هذه القضية، ومعالجتها في القرآن المكي، دليل على الصلة الوثيقة بين العقيدة القلبية، والسلوك العملي, وبين الإيمان، والقيم الخلقية، التي يؤمن بها صاحبها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير