ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Oct 2009, 09:26 ص]ـ
أثناء البحث في الانترنت عن المقالات التي دارت حول كتاب الباحث الياباني توشيهيكو إيزوتسو عثرت على مقالة موجزة تعرف به وبكتبه التي ألفها حول القرآن الكريم للزميل في الملتقى الدكتور سامر رشواني الأستاذ بجامعة دمشق. وهي تزيد المعرفة بهذا الباحث الياباني.
الله والإنسان في القرآن
للدكتور سامر رشواني
قد أَلِفنا منذ ما يزيد على قرن من الدراسات الاستشراقية للقرآن اهتمامها وعنايتها الفائقة بالبحث في تاريخ القرآن: نشأته وتطوره ومصادره؛ وإهمالها لقراءة النص القرآني كبنية متماسكة أو معطى ديني ذي رسالة متكاملة إلى العالم. والدراسات القليلة التي اشتغلت من هذا المنظور غالبًا ما كانت تقوم على مقارنته بالكتاب المقدس في اليهودية والمسيحية باعتبارهما المصادر الأساسية التي شكَّل القرآن من خلالها عقائده.
إلا أنه في منتصف القرن العشرين ظهر عالم ياباني متبحر في العربية وآدابها هو توشيهيكو إيزوتسو (الأستاذ بمعهد الدراسات الثقافية واللغوية بجامعة كيو بطوكيو) فقدم دراسات عديدة عن القرآن الكريم بما هو نص لغوي ديني مستقل بذاته، محاولاً فيها تطبيق ما توصلت إليه نظريات علم الدلالة في حينها. وظهرت أبحاثه هذه في كتبه الثلاثة:
- الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم (طوكيو: 1964).
- المصطلحات الأخلاقية الدينية في القرآن، ط.2 (مونتريال: 1966).
- مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي (طوكيو: 1965).
وعلى الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على صدور هذه الكتابات، فإن قلة نادرة من الباحثين العرب من عرفوا بهذه الدراسات أو اطلعوا عليها. وبقي الحال على هذا حتى ترجم كتابه: (الله والإنسان في القرآن) على يد الأستاذ عيسى العاكوب [1]
رسالة القرآن .. في ألفاظه!
وكتاب إيزوتسو هذا يقوم على نظرة مفادها: أن رسالة القرآن ورؤيته للعالم وفلسفته عن الوجود مركوزة في ألفاظه، أو بعبارة أدق: في الدلالات المكتنَزة في الألفاظ التي استعملها القرآن لبيان رسالته؛ وأن الدرس الدلالي لهذه الألفاظ سيكشف عن التطور الذي أحدثه الاستعمال القرآني في دلالاتها التي كانت شائعة عند العرب قبل الإسلام؛ لتصبح هذه الألفاظ حاملة لرؤية جديدة للكون، وفلسفة مختلفة للعالم.
ومنهج البحث الدلالي الذي يعتمده إيزوتسو يلتقي في أصوله بالفلسفة اللغوية الهمبولدتية (نسبة إلى همبولدت فيلسوف اللغة الألماني)، وكذلك بما يسمى "فرضية وورف وسابير" اللغوية، كما يستثمر بقوة ما توصل إليه اللغوي الألماني ليو فايسجربر Leo Weisgerber. والخيط الجامع بين هذه النظريات كامن في رؤيتها للصلة الوثيقة بين اللغة والفكر والثقافة؛ فاللغة ليس أداة للتواصل فحسب، بل هي أداة للتفكر أيضًا، ومن هذا المنظور فإنها وسيلة أساسية لتقديم مفهومات وتفاسير للعالم الذي يحيط بأهل اللغة. هكذا تصبح اللغة عملية عقلية تصوغ أو تعكس رؤية العالم عند أمة من الأمم أو ثقافة من الثقافات. فالثقافة تصوغ اللغة بالقدر الذي تصوغ به اللغة الثقافة، واللغة هي المفتاح لفهم فلسفة ثقافة ما، وإدراك رؤيتها للعالم.
وبهذا يصبح علم الدلالة كما يفهمه إيزوتسو: دراسة تحليلية للتعابير المفتاحية في لغة من اللغات ابتغاء الوصول إلى فهم رؤية العالم weltanschauung عند القوم الذين يستخدمون هذه اللغة في مرحلة محددة من تاريخهم الثقافي. ومن خلال هذا البحث يطمح إيزوتسو إلى الوصول إلى الفهوم الأولى أو التلقي الأول للوحي كما تجلى في عصر الرسول والصحابة .. باعتباره فترة الصدمة أو النقلة الدلالية المباشرة .. التي أدركها العرب حينها على نحو جليًّ وحاد.
نظرية الحقول الدلالية:
يقوم منهج إيزوتسو في التحليل الدلالي على نظرية "الحقول الدلالية". فالمعجم اللغوي لأي لغة من اللغات، أو نص من النصوص يتألف من عدد من الحقول الدلالية [المتشابكة]، كل حقل منها يتألف من مجموعة من الكلمات تربط بينها علاقات دلالية معينة، وتسمى هذه الكلمات مفتاحيةً؛ ومن بين هذه الكلمات كلمة صميمية، هي المركز المفهومي في الحقل الدلالي.
¥