وقد وضح إيزوتسو منهجه في التحليل وأسسه النظرية على نحو دقيق ومفصَّل استغرق الثلث الأول من كتابه، وذلك قبل أن ينتقل إلى القسم التطبيقي الذي سعى فيه إلى الكشف عن رؤية القرآن للعالم، وفلسفته في الوجود. وقد خلص فيه إلى أن رؤية القرآن للعالم من الوجهة الدلالية قابلة لأن تُمثَّل في صورة منظومات مبنية على مبدأ التضاد المفهومي:
أولها: منظومة الله والإنسان: حيث ترتسم العلاقة بين الله والإنسان في خمسة وجوه يحكمها التضاد المفهومي أيضًا:
- علاقة وجودية: (خلق الإنسان - قدر الإنسان).
- علاقة اتصالية غير لغوية بين الله والإنسان: تمثلها العلاقة بين مفهومي آيات الله وهداه من جهة، ومفهوم الإيمان والكفر والعبادة من جهة أخرى؛ آيات الله في الآفاق والأنفس والتاريخ باعتبارها الدعوة غير اللغوية من الله لهداية بني الإنسان، والإيمان والكفر باعتبارهما نوعي الاستجابة البشرية لهذه الدعوة، وعن الإيمان تنتج العبادة التي تعبر عن الاتصال الصاعد من الإنسان باتجاه الله.
- علاقة اتصالية لغوية: تتمثل في العلاقة بين كلام الله (الوحي) باعتباره ضربًا من الاتصال اللفظي يحدث نزولاً من الله إلى الإنسان، و (الدعاء) باعتباره مبادرة إنسانية للاتصال اللفظي صعودًا مع الله.
- علاقة العبودية: وتتمثل في العلاقة بين مفهومي: الرب والعبد، وما تستدعيه من مفاهيم الإسلام والجاهلية والدين.
- علاقة أخلاقية: وتتمثل في العلاقة بين مفاهيم: الرحمة والانتقام، والوعد والوعيد الصادرة من جهة الله، ومفهوم التقوى (أو الكفر) باعتباره الاستجابة البشرية لهذه المفاهيم.
أما المنظومة المفاهيمية الثانية التي يتجلى فيها التضاد المفهومي فتتجلى في: مفهومي الغيب والشهادة، حيث ينقسم العالم من المنظور القرآني إلى قسمين: عالم الشهادة، وعالم الغيب. ويتبعهما: مفهوما الدنيا والآخرة.
النص القرآني قائم بذاته:
إن دراسات إيزوتسو القرآنية تثبت أن النص القرآني قائم بذاته وذو رسالة متكاملة ورؤية شاملة للإنسان والكون، رؤية لا يمكن ردها إلى -أو استنسابها من- أفكار العرب في الجاهلية أو من التراث اليهودي أو المسيحي، رؤية تجلت واضحة من خلال النقلة الدلالية الواسعة التي أدخلها القرآن على المعجم العربي؛ لتعكس فلسفته عن الكون والوجود.
ولعل هذا يفسر لنا إهمال معظم المستشرقين الدارسين للقرآن لأبحاث إيزوتسو القرآنية؛ وإن كان بعضهم قد قلل من أهمية أبحاثه لأسباب تتصل بإشكالات نظرية تتعلق بالنظرية الدلالية التي اعتمد عليها؛ أو لأنها -كما يرى شاخت مثلاً- لا تشكل إضافة إلى البحث الفيلولوجي الذي اعتاد المستشرقون القيام به منذ زمن طويل.
على أية حال فإن أبحاث إيزوتسو القرآنية بحاجة إلى قراءة عربية جادة (بعد استكمال ترجمة باقي كتبه) تستكشف آفاق البحث الدلالي وتطبيقاته على القرآن. فأبحاثه أكثر عمقًا وأجدى نفعًا من كثير من الدراسات العربية التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين وحاولت الاستفادة من العلوم اللغوية الحديثة في دراسة القرآن، ولكنها انحدرت إلى مزلقين: تشويه النص القرآني (أو تحريفه) من جهة، وتشويه البحث اللغوي الحديث بفروعه المختلفة، وآفتها في ذلك -باختصار- التوظيف الأيديولوجي.
الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم
المؤلف: توشيهيكو إيزوتسو
ترجمة: د. عيسى العاكوب (حلب: دار الملتقى، 2007).
ــــ الحواشي ــــــــ:
[1] هناك ترجمة أخرى للكتاب صدرت سنة 2007 في بيروت عن مركز الترجمة، يقوم بتوزيعها مركز دراسات الوحدة العربية (المحرر).
المصدر: موقع مدارك ( http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1184650719076&pagename=Zone-Arabic-MDarik%2FMDALayout) .
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Oct 2009, 09:31 ص]ـ
وهذه مقالة عن الباحث الياباني كذلك للباحث مسعود ضاهر نشرها في صحيفة المستقبل اللبنانية بعنوان:
الياباني إيزوتسو والرؤية القرآنية للعالم
¥