تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعد تأخير طويل وغير مبرر لترجمة الأعمال النقدية والإبداعية من مصادرها الآسيوية، وبشكل خاص عن المصادر اليابانية والصينية، بدأت مؤخرا محاولات خجولة لسد هذه الثغرة المستمرة حتى الآن، علماً أن الترجمات عن المصادر الآسيوية ما زالت تتم عن ترجمات من الإنكليزية أو الفرنسية وليس عن مصادرها الأصلية.

لكن كتاب توشيهيكو إيزوتسو: "الله والإنسان في القرآن، علم دلالة الرؤية القرآنية للعالم"، يقدم نموذجاً فاضحاً على إهمال العرب والمسلمين للدراسات الآسيوية. فقد وضع الكتاب أساساً باللغة الإنكليزية وليس اليابانية عام1964، وصدرت طبعته الثانية أيضاً بالإنكليزية عام 2002، حتى تنبه له العرب فصدرت ترجمته مؤخراً ضمن منشورات المنظمة العربية للترجمة. ويشكل الكتاب مرجعاً مهماً ومعلماً بارزاً يلقي الضوء على خصائص الدراسات اليابانية عن الإسلام.

تجدر الإشارة إلى أن إشارة المترجم الواردة في الصفحة العاشرة من مقدمته لم تكن دقيقة لجهة تصنيف هذا الكتاب ضمن "الجهد الإستشراقي" الصادر عن باحث ياباني إمتاز بموقفه من الإسلام بالموضوعية. فالدراسات اليابانية عن الإسلام والعالم العربي أرادها واضعوها ردا موضوعيا على "الدراسات الإستشراقية" الغربية، بجناحيها الأوروبي والأميركي. ويرفض المستعربون اليابانيون بشدة تصنيفهم كمستشرقين، ويفضلون مصطلح الدراسات العربية في اليابانية بعد أن حمل مصطلح "الإستشراق" وزر المواقف السلبية التي عرّضت أصحابها للنقد الصارم حتى من جانب الباحثين المنصفين أو الموضوعيين في الغرب نفسه.

تأتي أهمية هذا الكتاب من شخصية مؤلفه الذي يعد واحداً من أبرز الباحثين اليابانيين في الدراسات الإسلامية.فقد ولد إيزوتسو في عام 1914، وعاش عمراً مديداً حتى العام 1993. وعايش التبدلات الكبرى التي شهدتها اليابان بعد إصلاحات الإمبراطور المتنور مايجي الذي، في أواخر عهده، تحولت اليابان إلى دولة إمبريالية تخيف الغرب بعد ان كانت تخاف منه. وفي عهد خلفائه، لجأت الإدارة اليابانية إلى بعض المثقفين الذين كانوا على معرفة شمولية بتاريخ الشعوب الإسلامية من أجل إقناع المسلمين بأهمية دور اليابان الفتية في إستنهاض آسيا، والوقوف بوجه السيطرة الإستعمارية الغربية. وشجعت، بكل الوسائل المتاحة لديها، مقولة "آسيا للآسيويين"، التي إستقطبت عددا من مثقفي الجماعات الإسلامية في آسيا للترويج لتلك المقولة.وقد حللت في كتابي "اليابان بعيون عربية 1904 ـ 2004" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2005، بالتفصيل مقولة الإمام المعصومي الضبابية التي قال فيها بأن الإمبراطور مايجي قرر إعتناق الإسلام،وما زعمه الجرجاوي من أن آلاف اليابانيين إعتنقوا الإسلام خلال إقامته في طوكيو التي لم تتعد الشهر الواحد.

وبعد أن إحتلت اليابان مساحات كبيرة من أراضي الدول الاسيوية المجاورة لها إبان فترة ما بين الحربين العالميتين، وجدت نفسها أمام مجموعات سكانية كبيرة من المسلمين. ومن خلال الممارسة القمعية للقوى الإمبراطورية اليابانية تيقن المسلمون وغيرهم من شعوب جنوب وشرق آسيا عدم وجود أي فارق يذكر بين الإحتلال الغربي والإحتلال الياباني لأراضيهم.

مع ذلك، إستفاد الباحثون اليابانيون المتخصصون في مجال الدراسات الإسلامية من الدعم المادي الذي قدمته لهم الإدارة الإمبراطورية لتقديم دراسات رصينة لتاريخ الشعوب الإسلامية وثقافاتها. لكن ثمرة أبحاثهم وظفت لخدمة أهداف إمبريالية تبنتها العسكرتاريا اليابانية إلى أن إنتهت بهزيمة اليابان وسقوطها تحت الإحتلال الأميركي، فشهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولادة أبرز رواد الدراسات العربية والإسلامية في اليابان على أسس موضوعية تتناقض جذريا مع الأهداف التي رسمتها لها الإدارة الإمبراطورية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير