تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعتبر توشيهيكو إيزوتسو من أبرز هؤلاء الرواد الذين تميزت اعمالهم بكثير من الدقة والموضوعية. فقد درس في جامعتي كيو، وطوكيو، ومارس التدريس في جامعات يابانية وكندية وإيرانية، وكتب دراساته باليابانية والإنكليزية، وكان على معرفة بالعربية، والفرنسية والألمانية. ومن المؤكد أنه من أوائل من ترجم القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية، إلا أن ترجمته قد لا تكون بنيت مباشرة على أساس النص العربي للقرآن الكريم بل من خلال ترجمات إلى اللغات الأوروبية.

نشر إيزوتسو باللغة الإنكليزية دراسات عدة أبرزها "بنية المصطلحات الأخلاقية في القرآن"، و"مفهوم الإيمان في الدين الإسلامي"، و"المفاهيم الأخلاقية الدينية في القرآن"، و"دراسة مقارنة للمفاهيم الفلسفية المفتاحية في الصوفية والطاوية". هذا بالإضافة إلى دراساته العلمية الكثيرة المنشورة باللغة اليابانية.

دلالة ذلك أن إيزوتسو كان متعمقا بالدراسات الإسلامية في مختلف جوانبها. وحتى الآن، لديه تقدير خاص لدى الباحثين اليابانيين الذين يعتبرون أن دراساته عن الإسلام شكلت ركيزة صلبة لولادة تيار عريض من الباحثين المهتمين بالدراسات العربية والإسلامية في اليابان في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد تتلمذ عليه جيل كامل من الذين تخصصوا في حقول معينة في تراث وآداب وتاريخ الشعوب العربية والإسلامية.

أصدر إيزوتسو كتابه "الله والإنسان في القرآن"، للمرة الأولى بالإنكليزية عام 1964 عن معهد جامعة كيو للدراسات الثقافية واللغوية بطوكيو. وبعد تسع سنوات على وفاته عام 1993، صدرت طبعته الثانية بالإنكليزية أيضاً في ماليزيا عام 2002، وهي الطبعة التي إعتمدها مترجم الكتاب إلى العربية، وأضاف إليها مراجعة مهمة للباحث الإسلامي فضل الرحمن، كانت قد نشرت في مجلة "دراسات إسلامية" التي تصدر في "إسلام أباد"، في عدد حزيران للعام 1966.

كان فضل الرحمن قد عرف المؤلف إيزوتسو شخصياً أثناء إقامة مشتركة معه في جامعة مكجيل بمونتريال في كندا عام 1960 ـ1961. ومما جاء في دراسته: "إن هذا الكتاب لا يمثل إضافة سارة إلى الأدبيات الموجودة عن الإسلام فقط، بل يقدم مقاربة جديدة لفهم الإسلام، خاصة من قبل غير المسلمين، وهي المقاربة العلم ـ لغوية".

تضمن الكتاب تسعة فصول حملت الموضوعات التالية: علم الدلالة في القرآن، المصطلحات المفتاحية القرآنية في التاريخ، البنية الأساسية للرؤية القرآنية للعالم، مفهوم "الله" لدى الوثنيين واليهود والمسيحيين والحنفاء، العلاقة الوجودية بين الله والإنسان، العلاقة التواصلية بين الله والإنسان، "الجاهلية" والإسلام، العلاقة الأخلاقية بين الله والإسلام. وقد تضمنت مكتبة البحث مصادر عربية من الدرجة الأولى مما يدل على سعة إطلاع المؤلف بالدراسات العربية والإسلامية في تلك الفترة، بالإضافة إلى مصادر ومراجع باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية واليابانية التي لم تتم الإشارة إليها لصعوبة كتابتها في الطبعة الإنكليزية التي نقلت عنها الترجمة العربية.

ليس من شك في أن معالجة الموضوعات المشار إليها أعلاه تتطلب معرفة معمقة بالتراث العربي والإسلامي. كما تفترض الدقة والرصانة في معالجة موضوعات دينية ذات طابع خلافي بين علماء المسلمين من جهة، وبين الباحثين في التاريخ الديني من أديان مختلفة. لكن معرفة إيزوتسو بالثقافات الآسيوية سهلت عليه سبل إكتساب معرفة عميقة بالثقافة العربية الإسلامية. وكانت لديه خبرة واسعة بعلم الدلالة الأوروبي الذي شكل ركيزة صلبة لتحليل السمات الأساسية للمفاهيم اللغوية ودلالاتها الإجتماعية والثقافية والروحية والصوفية. وكان من رواد التحليل السميولوجي في اليابان الذي يحضر لولادة إنسان متجدد بإستمرار في رؤيته لذاته، ولمحيطه العام، وللكون اللامتناهي. فهناك مستويات عدة للنص اللغوي إستند إليها إيزوتسو لتقديم دراسة متطورة عن الرؤية القرآنية منذ أكثر من أربعين سنة.

لقد أنهى فضل الرحمن مقالته عن هذا الكتاب بقوله: "ختاماً، يرغب المرء بالتأكيد على حقيقة أن هذا الكتاب كتبه باحث آسيوي جاد غير مسلم وياباني. وبما أن الأمر كذلك، فإننا نرحب بعمل إيزوتسو ونأمل أنه سيكون رائدا لتقليد متطور للبحوث الإسلامية في الشرق الأقصى".

يحتمل هذا النص وجود نوع من التحفظ على ترجمة ما كان يكتبه الآسيويون بشكل عام، وغير المسلمين منهم بشكل خاص، في مجال الدراسات الإسلامية. وهذا ما يفسر، جزئياً، تقاعس المترجمين ودور النشر ومنظمات الترجمة العربية طوال أربعين عاماً عن ترجمة هذا الكتاب المهم والصادر باللغة الإنكليزية. ولهذا التقاعس دلالة إضافية لأن التجاهل لما كتبه الباحثون الآسيويون، من صينيين ويابانيين وكوريين وهنود وغيرهم عن العالمين العربي والإسلامي، لم يتم التعامل معه بالمثل. فقد نشط الباحثون الآسيويون إلى ترجمة الكثير من المصادر والأعمال الإبداعية العربية.

ختاما، ترك تجاهل المترجمين العرب للأعمال المهمة التي كتبها باحثون آسيويون عن التراث العربي والإسلامي أثراً سلبياً للغاية على تطور العلاقات الثقافية بين الجانبين. ولعل صدور ترجمة هذا الكتاب عن المنظمة العربية للترجمة، وهي أهم مؤسسة ثقافية عربية تعنى اليوم بالترجمات العلمية الرصينة إلى اللغة العربية، يشكل مدخلاً سليماً لتصويب تلك العلاقات، وذلك يتطلب تحضير برنامج طويل الأمد لترجمة أهم المصادر الآسيوية عن العرب والإسلام ووضعها بتصرف الباحثين العرب والمسلمين.

المصدر: صحيفة المستقبل اللبنانية ( http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=236259)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير