تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا الطرح كان يبرِّره شعور هذه الأقليات بأن الدولة العربية الواحدة التي تنادي بها القومية العربية ستكون الأغلبية الساحقة فيها من المسلمين، الشيء الذي قد يفرز من جديد وضعا شبيهًا بالوضع الذي كان قائما خلال الحكم العثماني. وإذن فالدلالة الحقيقية لشعار (العلمانية)، في هذا الإطار الجديد، إطار التنظير لدولة الوحدة كانت مرتبطة ارتباطا عضويا بمشكلة حقوق الأقليات الدِّينية، وبكيفية خاصة حقها في أن لا تكون محكومة بدين الأغلبية، وبالتالي فـ (العلمانية) على هذا الاعتبار كانت تعني بناء الدولة على أساس ديمقراطي عقلاني وليس على أساس الهيمنة الدِّينية. وفي خضم الجدل السياسي الأيديولوجي بين الأحزاب والتيارات الفكرية، عبَّر بعضهم عن هذا المعنى بعبارة (فصل الدِّين عن الدولة)، وهي عبارة غير مستساغة إطلاقا في مجتمع إسلامي، لأنه لا معنى في الإسلام لإقامة التعارض بين الدِّين والدولة. إن هذا التعارض لا يكون له معنى إلا حيث يتولى أمور الدِّين هيئة منظمة تدَّعي لنفسها الحق في ممارسة سلطة روحية على الناس، في مقابل سلطة زمنية تمارسها الهيئة السياسية: الدولة.

ثم يقول الجابري: مسألة (العلمانية) في العالم العربي مسألة مزيفة، بمعنى أنها تعبر عن حاجات بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات: إن الحاجة إلى الاستقلال في إطار هوية قومية واحدة، والحاجة إلى الديمقراطية التي تحترم حقوق الأقليات، والحاجة إلى الممارسة العقلانية للسياسة، هي حاجات موضوعية فعلا، إنها مطالب معقولة وضرورية في عالمنا العربي، ولكنها تفقد معقوليتها وضروريتها، بل مشروعيتها عندما يعبَّر عنها بشعار ملتبس كشعار (العلمانية).

وما نريد أن نخلص إليه هو: أن الفكر العربي مطالب بمراجعة مفاهيمه، بتدقيقها وجعل مضامينها مطابقة للحاجات الموضوعية المطروحة. وفي رأيي: أنه من الواجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي وتعويضه بشعاري (الديمقراطية) و (العقلانية)، فهما اللذان يعبران تعبيرا مطابقا عن حاجات المجتمع العربي: الديمقراطية تعني حفظ الحقوق: حقوق الأفراد وحقوق الجماعات، والعقلانية تعني: الصدور في الممارسة السياسية عن العقل ومعاييره المنطقية والأخلاقية، وليس عن الهوى والتعصب وتقلبات المزاج.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه لا الديمقراطية، ولا العقلانية، تعنيان بصورة من الصور: استبعاد الإسلام، كلا. إن الأخذ بالمعطيات الموضوعية وحدها يقتضي منا القول: إنه إذا كان العرب هم (مادة الإسلام) حقًا، فإن الإسلام هو روح العرب. ومن هنا ضرورة اعتبار الإسلام مقوِّمًا أساسيًّا للوجود العربي: الإسلام الروحي بالنسبة للعرب المسلمين، والإسلام الحضاري بالنسبة للعرب جميعًا مسلمين وغير مسلمين.

إعادة تأسيس الفكر القومي على مبدأي الديمقراطية والعقلانية، بدل مبدأ العلمانية، وإحلال الإسلام المكانة التي يجب أن يحتلها في النظرية والممارسة، تلك من جملة الأسس التي يجب أن تنطلق منها عملية إعادة بناء الفكر القومي العربي، الفكر الذي يرفع شعار الوحدة العربية والوطن العربي الواحد من المحيط إلى الخليج [1] ( http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=4466&version=1&template_id=254&parent_id=1#_ftn1) اهـ.

المصدر:

http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=4466&version=1&template_id=254&parent_id=1

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير