تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لطرافتها:

لمَّا كنتُ في القاهرة أيام دراستي في كلية الشريعة بالجامع الأزهر، أوصاني شيخنا العلامة الإمام محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى، خلالَ ملازمتي له، باقتناء كتاب (فَتْح باب العناية بشرح كتاب النُّقَاية) للعلامة الشيخ عليّ القاري، وحضَّني على الحصول عليه حضّاً أكيداً وكثيراً، مع علمه أني من هُواة الكتب النادرة النافعة، وكنتُ أظنُّ أنه مطبوع في الهند، وقد مكثتُ في القاهرة سِتَّ سنوات حتى إنهاء دراستي أسألُ عنه، وأنشدُهُ في كلّ مكتبة أقدِّرُ وجوده فيها، فلم أظفر منه بخبر ولا أثر. ولما عدتُ إلى بلدي حلب، ما فَتِئتُ أبحثُ عنه أيضاً في كل بلد أزوره أو مكتبة أرتادها، ولما كنت أظنه مطبوعاً في الهند، وكان هو من كتب فقه السادة الحنفية، كنتُ أسأل الكتبيين عن مطبوعات الهند في الفقه الحنفي عامةً، لعلي أصلُ إليه بهذه الطريقة، إذ قد يَجهلون اسمه، وكان في دمشق كتبيون قُدماء خُبراء في الكتب القديمة والنفيسة، وعندهم من قديمها ونفيسها الكثير، ولكنهم يُغالون به ويتشدَّدون في بيعه، منهم السيد عزّت القُصَيباتي ووالدهُ، والشيخُ حمدي السَّفَرْجَلاني، والسيد أحمد عُبَيد. فسألتُ السيد عزّت القُصيباتي عن (فتح باب العناية) على أنه من مطبوعات الهند، فقال: هو عندي، وأخرجَ لي كتاب (البناية بشرح الهداية) للإمام العيني، المطبوع في الهند من مئة عام سنة 1293، في ست مجلَّدات ضِخام كبار جداً، وكان هذا الكتاب أحد الكتب النادرة النفيسة التي أبحثُ عنها، فاشتريته بثمنٍ غير مُغَالى فيه، إذ كان غير الكتاب المطلوب الذي سَمَّيتُهُ له.

ثم سألتُ الشيخ حمدي السَّفرجلاني رحمه الله تعالى عن الكتاب، فعلمتُ منه أنه مطبوع في قَزَان من بلاد روسيا، وأنه أندَر من الكبريت الأحمر كما يقال، وأنه طُولَ حياته واشتغاله بالكتب ما مرَّ به منه سوى نسخة واحدة، كان قد باعها للعلامة الكوثري بأغلى الأثمان التي لا تُعقل، فعند ذلك تعيَّنَ عندي البلدُ الذي طُبِع فيه الكتاب، وضَعُفَ أملي بالحصول عليه! ولما أتاح الله لي حجَّ بيته الكريم أوَّلَ مرة عام 1376، ودخلتُ مكة المكرمة: طَفِقتُ أسألُ عنه في مكتباتها، لعلي أجده قادماً مع أحد المهاجرين من تلك البلاد إلى بلد الله الحرام؟ فلم أوفَّق لذلك.

ثم ساقتني عِنايةُ الله تعالى إلى كتبيٍّ قديم مُنْزَوٍ في بعض الأسواق المتواضعة ثم في مكة المكرمة، وهو الشيخ المصطفى بن محمد الشنقيطي سلَّمه الله تعالى، اشتريتُ منه بعض الكتب، وسألته ـ على يأسٍ ـ عنه، فقال لي: كان عندي من نحو أسبوع، اشتريتُهُ من تَرِكَة بعض العلماء البُخاريين، وبعتُهُ لرجل من بُخارى من علماء طَشْقَنْدَ بثمنٍ كريم، فما كدت أصدِّقُهُ حتى جعلَ يصفه لي وصْفاً مُثْبتاً لمعرفته به، وأنه الكتاب الذي ألُوبُ عليه، وأسعى منذ دهر إليه!

فقلتُ: مَنْ هذا العالم الطَّشقندي الذي اشتراه؟ فجعل يتذكَّره تذكُّراً ويُسمّيه لي: (الشيخ عِناية الله الطَّشقندي). فقلتُ: أين مسكنُهُ أو محلُّ عمله أو ملتقاه؟ قال: لا أدري عن ذلك شيئاً، فقلتُ: كيف أسألُ عنه؟ قال: لا أدري، فازددتُ عند ذلك يأساً من الحصول عليه أو لقاء مشتريه!

فذهبتُ بعد هذا أسألُ عن (الشيخ عِناية الله) كلَّ بخاريّ أراهُ في المسجد الحرام أو في أسواق مكة، وصِرتُ أذهبُ إلى المدارس والرَّبُط التي يُقال لي: فيها بُخاريون؛ لأسأل عن هذا الشيخ البخاريّ، حتى ذهبتُ إلى الأحياء الواقعة خارجَ مكة، إذ قيل لي: فيها بعضُ البخاريين، ولكنْ هيهات اللقاءُ بالمنشود عنه؟! وكم في مكة المكرمة من البخاريين الذين يُسمَّوْنَ: عِنايةَ الله! ثم أوصلني السؤالُ المتتابع إلى الشيخ عبدالقادر الطَّشقندي البخاري الساعاتي رحمه الله، في جهة حيّ جَرْوَل من أطراف مكة، فسألتُهُ عن الشيخ الطشقندي، فعرفه وعيَّن لي اسمَهُ: (الشيخ مِيْر عِناية الطشقندي)، ولكن لا عِلمَ له بمستقره وملتقاه، فعند ذلك غلبني اليأسُ من لقاء هذا الشيخ الذي عنده (فتحُ باب العناية)! فصِرتُ في أثناء طوافي حول الكعبة المعظمة زادها الله تشريفاً وتعظيماً: أطلُبُ من الله تعالى أن يُرشدني إلى ذلك الإنسان، ويُيسر لي اقتناء هذا الكتاب، وصرتُ أكرِّرُ هذا الدعاء

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير