والطلبَ مرَّات تِلوَ مرَّات، ومضى أسبوع وأنا ـ عَلِمَ الله ـ في تشتّت بالٍ من حال البحث عن الكتاب وصاحبه.
حتى كنتُ يوماً أمشي في سوق زيادة من أبواب المسجد الحرام قبل توسعة المسجد، فرآني تاجرٌ دمشقيٌّ قديمٌ في مكة المكرمة، يقال له: أبو عَرَب، كان له متجر هناك، فدعاني إلى متجره لما رآني شاميَّ السَّحْنة والمظهر، يُسائِلُني عن الشام وأهلها، فسألته من شدّة هَوَسي بالكتاب ـ وهو تاجر دمشقي شامي ـ عن الشيخ البخاريّ؟! فقال لي: هذا خَتَنُهُ زَوْجُ ابنتِه في الدُّكَّان الذي أمامي، وهو أعرفُ الناس به، فوالله ما كِدْتُ أصدِّقُ ذلك فرحاً وسُروراً. فذهبتُ إليه خَتَنه وسألته عنه، فاستغربَ قائلاً: ما الذي يدعوك للسؤال عنه وإلى لقائه؟ قلتُ: صار لي أكثر من أسبوع وأنا دائبُ البحث عنه، فدُلَّني عليه جزاك الله خيراً، فأرشَدَني إلى منزله بالتعيين في حي الْمِسْفَلة، جوارَ قهوة السَّقيفة، فذهبتُ إليه مرَّة بعد مرّة ليلاً ونهاراً، حتى لقيتُه، فتنازل لي عن الكتاب بالثمن الذي اختارَ وأحبَّ، فكانت عندي فَرْحةٌ من فَرَحَات العُمُر.
ملاحظة: (سقت هذا الموقف من باب شدة ما يلاقه أهل العلم من شدائد في تحصيل الكتب، ولذا أرجو من الإخوة الانتفاع بالمقالة من هذا الوجه وعدم محاكمة الأشخاص الذين وردوا فيها، فلكل مقام مقال).
و يقول الشيخ عبدالرحمن الشهري في مقالة له في هذا الملتقى عن الأدب:
منذ التحقتُ بالدراسة في كلية الشريعة تعلقتُ بالأدب من قراءات متفرقة في كتبه القديمة وبعض المعاصرة، وكنت أذهل أحياناً عن المحاضرات لاستغراقي في قراءة بعض دواوين الشعر في المكتبة المركزيَّة للكلية. وأذكر يوماً أنني ضحكت دون شعور لبعض نقائض جرير والفرزدق في وسط سكونٍ مخيم على المكتبة والقراء، فنهرني المشرف على المكتبة وكاد يطردني، وكان أستاذاً مصرياً جليلاً صاحب علم وفضل لا أنساه، وكان مشرفاً متميزاً على المكتبة المركزية لم أجد بعده مثله في حزمه ومعرفته بكتب المكتبة المركزية، ثم خلف من بعده شباب صغار لا يفرقون بين ديوان أبي تمام، وديوان المراقبة العامة.
ولا أنسى ذلك الوقت الممتع الذي تعرفتُ فيه على قصيدة تأبط شراً في وصف الغول، وسعادتي الغامرة بمعرفة تلك القصيدة، وكان وقت المحاضرة قد حضر، فترددت بين البقاء لحفظ القصيدة أو كتابتها باليد من الكتاب، وبين حضور المحاضرة، وأصبح حالي القائل (اللهم أمي وصلاتي .. )، فغلبني حب الأدب فبقيت حتى حفظت القصيدة ونقلتها ونقلت شرحها بيدي، ولا أزال حتى الآن أعدُّها من أثمن محفوظاتي، وهذا سر من أسرار الأدب الخالد، وعلوقه بالنَّفس.
وللشيخ حفظه الله موقفين قرأتهما له في مجلة الإسلام اليوم أظن قبل أربع سنوات لا يزال أثرهما يتردد في ذهني منها أنه ذهب بالباص من جدة إلى الأردن من أجل كتاب ورجع من فوره، فليت أحد من الإخوة يتحفنا بالموقفين فأظنهما سبق وأن نشرا في الملتقى، وكان هذا الموقف أول ما وقع في قلبي من حب الشيخ حفظه الله. أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير وبانتظار مواقفكم، ولا تحقروا أي موقف أو ذكرى وإن كانت يسيرة أو تظنوها غير مهمة فنحن بشوق لها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(كتبت هذه المقالة بعد تغيظ، إذا كلما فرغت منها انمسحت فجأة من الجهاز، تكرر معي ذلك خمس مرات، فاقبلوها على علاتها).
ـ[عبدالله الشتوي]ــــــــ[27 May 2010, 09:15 م]ـ
شكر الله لك أخي فهد ما تفضلت به ..
طرح مميز وماتع،، أسأل الله تعالى أن يمتعك بالصحة والعافية ..
أسعد كثيراً حينما أرى مشاركة جديدة لك ..
كتبت هذه المقالة بعد تغيظ، إذا كلما فرغت منها انمسحت فجأة من الجهاز، تكرر معي ذلك خمس مرات، فاقبلوها على علاتهاأكرر شكري لك،، وتقديري لإصرارك وصبرك .. وما أحلى ما كتبت وإن زعمت اعتلاله ..
ولكن هل ذهاب ما كتبت كان بسبب الملتقى أو أنه خلل في جهازك؟!
محبك يسعد بخدمتك بما يستطيعه ..
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[27 May 2010, 11:17 م]ـ
¥