سيارة أجرة إلى مطار علياء الدولي بعمَّان، فلما دخلت المطار سألتُ عن الرحلات المتجهة للسعودية، فوجدتُ رحلةً مباشرةً لم يبق على إقلاعها إلا أقل من ساعة متجهة إلى جدة، فحجزت فيها وركبت فيها، ورجعت لجدة، ولما وصلت جدة ركبت طائرة أخرى لأبها بعد عدة ساعات، ووصلتُ أَبْها فأخذت سيارة من المطار إلى موقف الباصات حيث تركت سيارتي هناك، فلما وصلت لم أجدها! فأسقط في يدي، لكنَّني لم أفعل شيئاً ورجعت للبيت، ولم يكن قد ظهر الهاتف المحمول لأتصل بأحد، ولم يكن عندي في المنزل هاتف ثابت لصعوبة الحصول على الهاتف الثابت حينها. وكنتُ متعباً جداً فأردت أن أستريح وبعدها أبحث عن السيارة. وكان فرحي بالحصول على الكتاب، والانتصار لنفسي على ذلك الموقف الذي وقع لي مع صاحبي في الكلية قد أنساني همَّ ذهاب السيارة مع أنه لم يكن معي غيرها.
فلما نِمتُ حينها، وبقيتُ يومين تقريباً منعزلاً مع كتبي في البيت، إذا بصاحبٍ لي من أعز أصدقائي يطرق الباب، وإذا بسيارتي معه! فاستغربت وبادرته بالسؤال: فقال: أليس عندي نسخة من مفتاح سيارتك؟ قلتُ: بلى؟ قال: لما رأيتُ سيارتك في موقف الباصات وكان الموقف على طريق الطائف وهو طريق يسافر منه أيضاً من يسافر إلى النماص وهي مدينتي، قال: تيقنتُ أنَّك سافرتَ إلى النماص وتركتَ سيارتك هنا، وكنتُ مضطراً للسفر، فأخذتُ سيارتكَ ثقةً بأَنَّك ستفهم أنني أنا الذي أخذها! وكان كثيراً ما يستخدم سيارتي ولكن بعلمي.
فضحكتُ وأخبرته بخبري، فاستغرب كثيراً، وتأسف لأخذه السيارة بدون علمي.
ولا أزال حتى اليوم أتذكر ذلك الموقف فأضحك، وأسترجع ذلك الموقف وما لقيته في سفري بالباص من المشقة، ولم أهنأ بطعام ولا منام في ذلك السفر، والسفر الباص متعبٌ، ورائحة الدخان جعلت رأسي يكاد ينفجر، ولا طاقة لي بِمَنع أكثر الركاب الذين يدخنون، وكُلُّ همِّي كان الحصول على الكتاب، ويبقى للكتاب الذي عانيت في الحصول عليه قيمته ومكانته الخاصة.
والطريف أنَّ صاحبي في الكلية بعد شهور أحضر لي الجزء الذي طلبته من الكتاب مصوراً في ورقات، وقال: خذ هذا طلبك الذي طلبتني قبل مدة، فشكرته وأخذت الأوراق، وقلتُ في نفسي: آه لو كنتَ تعلمُ أنَّني لم يقر لي قرار بعدك حتى اشتريتُ الكتابَ يا صاحبَ الفضيلة!
ما شاء الله تبارك الله
زادك الله علما وتوفيقا يا أبا عبدالله
والله إن مثل هذه المواقف لتزيد المرء حبا وشغفا وإقبالا على القراءة والاطلاع ..
ولكن دعني أهمس في أذنك: هل أنت متأكد مما لوّن بالأحمر؟ (:
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[23 Dec 2010, 01:24 م]ـ
أحبك الله أخي العزيز عبدالرحمن وجمعنا بك في جناته، وليتك تفرد موضوعاً بفوائد كتاب لباب الآداب فهو بحق جدير بذلك وفقك الله وأحسن إليك.
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[23 Dec 2010, 01:26 م]ـ
(هذه الندرة من الكتب التي تيسرت لي أيام التلمذة وما بعدها علمتني دستوراً للمطالعة أدين به إلى الآن، وخلاصته أن كتاباً تقرؤه ثلاث مرات أنفع من ثلاثة كتب تقرأ كلاً منها مرة واحدة) العقاد.