والجواب أنَّ في زجِّ المرأة في هذه الميادين تعطيلاً لوظيفتها ومهمَّتها، وهي القرار في البيت ورعاية الأولاد، وليس للمرأة أن تتولَّى على غيرها من الرجال، ولا أن تشارك الرِّجال في تولية الرِّجال، ومن المعلوم أنَّ سقيفة بني ساعدة التي تمَّت مبايعة أبي بكر فيها في أول الأمر لم يكن فيها امرأة واحدة، ولو كان في تميكن النساء من المشاركة في هذه الأمور خيرٌ لسبق إليه أصحاب رسول الله *؛ لأنَّهم السبَّاقون إلى كلِّ خير، لكنَّه شرٌّ سلَّمهم الله منه وسلَّم منه قروناً كثيرة بعدهم، وابتُلي به كثير من المسلمين تقليداً لأعدائهم في هذا الزمن الذي انفلتت فيه النساء.
وأمَّا وصيته بوضع ضوابط لمشاركة النساء لمنع الانفلات المخالف للشرع، فإنَّ الدعوة إلى تولي المرأة وإلى مشاركتها في تولية غيرها مخالف للشرع لما سبق ذكره من الأدلة، والدعوة إلى مشاركة المرأة في هذه الأمور مع وضع الضوابط المزعومة لمنع الانفلات يصدق عليه قول الشاعر:
ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له إيَّاك إيَّاك أن تبتلَّ بالماء
وقد ختم مقاله بدعاء فقال: ((والله تعالى المسؤول أن يوفق العاملين لمصلحة البلاد إلى ما فيه خيرها، وأن يجنِّبهم المزالق والأضرار)).
وأقول: إنَّ ما اشتمل عليه مقاله من قدح في الصحابي أبي بكرة ومروياته التي انفرد بها في صحيح البخاري وغيره، واهتمامه بتمكين النساء من الولايات العامة والخاصة على الرجال، وأن تشارك في تولية غيرها، أقول: إنَّ ذلك من أعظم المزالق والأضرار التي ابتلي بها كثير من المسلمين في هذا الزمان، وقد أساء الشيخ محمد الأشقر بما اشتمل عليه هذا المقال من الوسيلة والغاية إلى أهل السنة إساءة عظيمة، وأثلج صدور المتربصين بهم، من الذين في قلوبهم حقدٌ على أصحاب رسول الله *، ومن الدعاة إلى تحرير المرأة المسلمة من كلِّ القيود والضوابط الشرعية.
تناقضات متباينة للرجال والنساء
في الختام أقول: لقد اختلَّت الموازين في هذا الزمان بين الرِّجال والنساء، فتشبَّه الرجال بالنساء والنساء بالرِّجال، وفي صحيح البخاري (5885) عن ابن عباس {قال: ((لعن رسول الله * المتشبِّهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرِّجال))، وقد حصل في هذا الزمان ما لم يحصل في الجاهلية الأولى من تبرُّج النساء، حتى وصل ذلك في كثير من بلاد المسلمين إلى إخراج بعض النساء في الأسواق والطرقات رؤوسهنَّ ونحورهنَّ وأذرعهنَّ وأعضادهنَّ وسوقهنَّ وبعض أفخاذهنَّ، وفي مقابل ذلك أسبل الرِّجال ثيابهم حتى غطوا كعابهم، وقد قال *: ((ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار)) رواه البخاري (5787)، وفي صحيح مسلم (106) عن أبي ذر عن النَّبيِّ * قال: ((ثلاثة لا يُكلِّمهم اللهُ يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم، قال: فقرأها رسول الله * ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا! مَن هم يا رسول الله؟ قال: المُسبلُ، والمنَّان، والمُنَفِّق سلعته بالحلف الكاذب))، فهذا الصنف من الرجال نُهوا عن الإسبال فأسبلوا، وذاك الصنف من النساء أُمرنَ بالحجاب وتغطية أقدامهنَّ فخالفن وأظهرن كثيراً من زينتهنَّ، وقال *: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والديُّوث، ورَجلة النساء)) رواه الحاكم (1/ 72) وصححه، ووافقه الذهبي.
والمرأة التي تُمكَّن من الولايات العظمى أو ما دونها من الولايات على الرجال من أهل هذا الوعيد في هذا الحديث، وبتولِّي النساء على الرجال ورِضَى الرجال بذلك تطبيق للمَثَل: ((اسْتَنْوَق الجمل، واسْتَدْيَكت الدجاجة))، وهذا من اختلال الموازين وقلب الحقائق، ومنه ما جاء في قول الشاعر كما في معجم الأدباء لياقوت الحموي (17/ 198):
قد قدم العجب على الرويس ... وشارف الوهد أبا قبيس
وطاول البقل فروع الميس ... وهبت العنز لقرع التيس
وادعت الروم أباً في قيس ... واختلط الناس اختلاط الحيس
إذ قرأ القاضي حليف الكيس ... معاني الشعر على العبيسي
وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفِّق المسلمين في كلِّ مكان لتطبيق شريعة ربِّهم ليظفروا بالسعادة في دنياهم وآخرتهم، وأسأل الله تعالى أن يوفِّق الشيخ محمد بن سليمان الأشقر للرجوع إلى الحقِّ، وأن يسلمه من التمادي في الباطل الذي وقع فيه، وأن يتولَّى الجميع بتوفيقه وتسديده لما تُحمد عاقبته في الدنيا والآخرة؛ إنَّه سميع مجيب، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[29 May 2010, 08:09 ص]ـ
لِحِكْمةٍ يعلمها الشارعُ الحكيم و الخَلاّقُ العظيم - سبحانه جَلّ شأنه - جاء النهيُّ في الشرع عن تولية النساء الولايات العامة؛ المُستفادُ مِن عدم الفلاح لكل قومٍ وَلَوّا أمرَهم امرأة؛ الثابت بالحديث الصحيح: " لن يُفلِح قومٌ وَلوا أمرهم امرأة ". و هذا عامٌ في كل أمرٍ من أمور القوم؛ لمجيئه بصيغة العموم.
و ليس في ذلك انتقاصٌ من جنس النساء، و لكنه حُكْمُ الله؛ ببلاغ رسوله صلى الله عليه و سلم
{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. [الملك: 14]
و للاطلاع على المزيد:
(دراسة فقهية في مسألة ولاية النساء القضاء) ( http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=32&book=2977)