تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَالَ شَيْخُنَا: وَاخْتَلَفُوا فِيهِ: هَلْ الَّذِي يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي، أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ لَا يُسَوَّغُ ضَرْبُهُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي.

وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَاضِي مِصْرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُمْتَحَنُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ، وَيُضْرَبُ بِالسَّوْطِ مُجَرَّدًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي.

وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، حَكَاهُ الْقَاضِيَانِ.

وَوَجْهُ هَذَا: أَنَّ الضَّرْبَ الْمَشْرُوعَ هُوَ ضَرْبُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ أَسْبَابِهَا وَتَحَقُّقِهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَا يُضْرَبُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَكَثِيرٌ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ، بَلْ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لَكِنَّ حَبْسَ الْمُتَّهَمِ عِنْدَهُمْ أَبْلَغُ مِنْ حَبْسِ الْمَجْهُولِ.

ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُطَرِّفٌ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ.

وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ عَنْ بِدْعَتِهِ: أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُحْبَسُ إلَى الْمَوْتِ."

يقول عبد القادر عوده رحمه الله في كتابه "التشريع الجنائي في الإسلام":

"ويستدل الفقهاء على مشروعية التعزير للمصلحة العامة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلاً اتهم بسرقة بعير، ولما ظهر فيما بعد أنه لم يسرقه أخلى الرسول سبيله، ووجه الاستدلال أن الحبس عقوبة تعزيرية والعقوبة لا تكون إلا عن جريمة وبعد ثبوتها، فإذا كان الرسول قد حبس الرجل لمجرد الاتهام فمعنى ذلك أنه عاقبه على التهمة، وأنه أباح عقاب كل من يوجد نفسه أو توجده الظروف في حالة اتهام ولو لم يأت فعلاً محرماً، وهذا العقاب الذي فرضه الرسول بعمله تبرره المصلحة العامة، ويبرره الحرص على النظام العام؛ لأن ترك المتهم مطلق السراح قبل تحقيق ما نسب إليه يؤدي إلى هربه، وقد يؤدي إلى صدور حكم غير صحيح عليه، أو يؤدي إلى عدم تنفيذ العقوبة عليه بعد الحكم، فأساس العقاب هو حماية المصلحة العامة وصيانة النظام العام."

ويقول:

"والمعروف في الشريعة هو نظام الكفالة الشخصية، ويطبق في حالة الحبس للدين، فمن كان محبوساً لدين جاز أن يفرج عنه إذا كان له كفيل، ولا شك أن كل محبوس لدين يستطيع أن يجد شخصاً يكفله؛ لأن الحبس للدين لا يكون إلا عند الامتناع عن الدفع مع القدرة عليه، ولكن كل محبوس لا يستطيع أن يدفع فوراً قدراً من المال. أما الحبس في الجرائم على ذمة التحقيق والمحاكمة فيراه بعض الفقهاء نوعاً من التعزير، أي عقوبة اقتضتها حالة الاتهام التي نزلت بالمتهم، ويترتب على اعتبار هذا النوع من الحبس عقوبة أنه لا يمكن إخلاء سبيل المتهم بكفالة شخصية؛ لأن الكفالة لا تقبل في العقوبة. ويرى بعض الفقهاء أن الحبس في هذه الحالة حبس للاحتياط وليس عقوبة، وعلى هذا الأساس تجوز فيه الكفالة الشخصية ولا شك أن كل محبوس حبساً احتياطياً يستطيع أن يجد له كفيلاً ولكن كل محبوس لا يستطيع أن يدفع ضماناً مالياً، وسواء اعتبرنا الحبس تعزيراً أو احتياطاً فإن قبول الكفالة الشخصية أو عدم قبولها أساسه المساواة التامة بين الأفراد."

ويمكن أن ترجعي إلى هذا الكتاب فهو مفيد في بابه.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

"- التَّعْزِيرُ بِالْحَبْسِ:

16 - الْحَبْسُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِِْجْمَاعِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير