تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمؤلم أكثر،أن النماذج التي يعتني الغرب بإظهارها على أنها نماذج إسلامية حضارية، أيضاً لا يتم إختيارها وتقديمها بناء على نظرتها الدينية للإسلام وتجديدها لمفهومه الحضاري، بل تُقدم بناءً على حديثها عن فداحة وخطورة هذا الدين، وما يحمله من أفكار، كسلمان رشدي مثلاً، أو أنها تقدم على أساس المناضلة السياسية، تماماً كما حدث مع شيرين عبادي الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام، حيث لم تحصل عليها كونها مسلمة بطبيعة الحال، بل بكونها معارضة لنظام حكم الملالي "الإسلامي" في إيران، وبالتالي فهذه النماذج العالمية من المسلمين، هي تماماً المطلوب ترويجها لكونها تروج معارضة لنموذج محدد من الإسلام هو الذي يتم تهويل خطره، في حين قد لا تحصل هذه النماذج على أدنى مصداقية لدى شعوب العالم الإسلامي، وأعني بالذات أمثال سلمان رشدي.

ويجب ملاحظة أنني أتحدث عن نماذج باتت كلماتها مسموعة وذات وزن، وخرجت من دائرة الإختلاف الغربي عليها، بعكس نماذج أخرى، وإن كانت ذات وزن، كطارق رمضان، إلا أنها لم تستطع الحصول على الرضا الكامل، ربما لبعض تمسكها بالقيم الأساسية للدين.

لا أظن أن أحداً قد يختلف معي على هذه النظرة الواقعية لحال الدور الحضاري للمسلمين، وذكر أمثلة معاكسة لا يغير من حقيقة الامر الشيء الكثير، فأحمد زويل مثلاً لم يكن لينجح لولا وجوده في الولايات المتحدة، ومحمد البرادعي نفسه، الذي يتم تعييره الآن بكونه الأخيرعلى دفعته في إمتحانات وزارة الخارجية المصرية، لم تشفع له نوبل للسلام ورئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ألا يتعرض للتخويف والإستهزاء والترعيب، فقط لمجرد إعلانه عن الشكل المناسب لإجراء إنتخابات رئاسية في مصر، وبطبيعة الحال، لو أعلن عن موقف ديني أو سياسي مؤيد للمقاومة مثلاً أو ضد إسرائيل، فستنهشه الأقلام الغربية مباشرة، أقول هذا لأؤكد أن ناجحه لم يكن لكونه مسلماً، وحتى هو نفسه لا يقدم نفسه بهذا الشكل.

وبالتالي فنحن أمام نموذجين، نموذج ناجح مهنياًً، في مجاله العلمي أو في نضاله السياسي، لا يقدم نفسه على أنه ذلك المسلم الملتزم، لعلمه أن نجاحه قد يتوقف ومصداقيته ستتزعز، "دون التدقيق أساساً إن كان ملتزماً دينياً أم لا، وهذا ليس شأننا"، ونموذج آخر مرضي عنه غربياً مسخوط عليه إسلامياً، يقدم نفسه كمسلم حضاري، يهاجم الفهم المتخلف للإسلام، ويمس عقيدته وكتابه بالنقد والإستهزاء، بنى عليه هذا الرضى الغربي عنه.

أين حصل التراجع وكيف يمكن الحل؟

طبعاً سنختلف كثيراً في أين حصل التراجع، فالمفكرون بإختلاف طبيعتهم وأهوائهم سيضعون مواعيد مختلفة لذلك، منهم من يعيده لألف وأربعمائة سنة مضت، ومنهم من يعيده لألف سنة مضت، ومنهم من يعيده لأقل من ذلك وصولاً لثلاثين سنة مضت، بل وربما ستجد بعضهم يقول أن النهضة الحقيقية بدأت منذ ثلاثين سنة أوأقل أو أكثر، تبعاً لتاريخ تولي هذا الحاكم أو ذاك مقاليد الأمور في بلده.

الأهم برأيي هو طريقة الحل، والمطلوب برأيي للخروج برؤية واضحة للمستقبل، هو خوض حربين تاريخيتين أو ضد التاريخ إن صح التعبير، لا مهرب منهما، ثمنهما لا يُحصى بعدد القتلى وكمية الدم المسال، بل يُحصى بالنتائج المترتبة عليها.

الحرب الأولى تاريخية بأثر رجعي، يجب أن ينهض بها مفكرون ثقال، تجردوا من نزعاتهم البدائية في تثبيت حق تاريخي أو معاصر لطائفة أو مذهب معين، عليهم بهذه الحرب أن يقوموا بتنقيح كبير لكتب التاريخ لإخراج المفاصل السوداء من هذا التاريخ، وتوضيح الأخطاء التي إُرتكبت، والخروج بالدروس التي ستهز الكثير من المسلمات التي يعتقد كثير من المسلمين بيقينيتها وأنها دينهم، في حين هي إجتهادات وتراكمت ولم تعد تفيد في هذا العصر، وهذه الدروس هي التي ستخاض فيها الحرب الثانية.

الحرب الثانية هي حرب تاريخية مستقبلية، ستطول وتختلف مدتها في رأس كل فرد، وفي كل موقعة على حدة، فهي قد تستغرق سنوات، أو عقود، حرب هدفها إنشاء جيل منذ نعومة أظفاره يتربى بشكل سليم على القواعد العلمية الصحيحة، التي تحيي في داخل هذا الجيل القيم الكبرى للإسلام الذي إختاره الله ليخرج به خير أمة، وتعلي العقل والتفكير الإسلاميين كما تعلي القدرة على التحليل السليم والتفكير الموضوعي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير