تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بدون هذين الحربين، قد نشهد قريباً حروباً حقيقية كالتي شهدتها أوروبا، والمؤسف في ذلك أنها ستردنا للوراء كثيراً لمرحلة إعتقدنا بأننا تجاوزنها وتخطيناها، وبعد أن تشكلت دولنا بعد الإستقلال على أمل المواطنة ودولة القانون والديموقراطية.

إن أحد الدروس والقواعد التي يجب أن تنجم عن هذه الحروب، هو إعادة قرائتنا لكل كلمة في أي وكل آية قرآنية أو في حديث شريف، لندرك بعدها أن الإسلام وظيفة ومهنة، وليس لقباً، وهذا فهم دقيق لروح الإسلام ومعناه، ويعتمد على حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وبالتالي فأي مسلم، لديه عمل ولديه مسؤولية يقوم بها، مسؤولية ناتجة عن كونه مسلماً بالدرجة الأولى، تتبعها مسؤوليات عمله الحقيقي في الحياة.

وهذه المسؤولية يجب أن تقوم حتى بدون عمل في الحياة، حتى ولو كان ذلك المسلم في مرحلة الدراسة، بل حتى وإن كان طفلاً، وكم في هذا تعليم للطفل من تحمل المسؤولية باكراً وكم فيه تربية إجتماعية عالية.

غير أن مايدعم هذا الرأي أكثر، هو آية قرآنية كريمة، هي قوله تعالى في سورة الحديد الآية السابعة (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)

فهمنا التقليدي لهذه الآية، لا يتعدَ عن كونها دعوة للإيمان بالله وبالرسول عليه السلام، وأن ننفق من مالنا الذي وهبه الله لنا، مع ضرورة التذكير أننا مستخلفون في هذا المال، وأنه قد يزول بأمر وإرادة الواهب سبحانه وتعالى، وهذا فهم لا غبار عليه.

غير أن ما يهزني أكثر في الآية هي قوله تعالى (مما جعلكم مستخلفين فيه)، ولطالما ظننت أن الإستخلاف يحصل لمجموعة وعلى مستوى جماعة، وهذا أكيد، غير أن هذه الآية تقول أنه يحصل أيضاً على مستوى الأفراد، فكل فرد هو فرد مستخلف، مستخلف بشيء ما، في هذه الآية هو المال، لكن في أحيان كثيرة يكون علماً أو قوة أو فهماً أو منصباً أو قدرة أو مايخطر ببالكم، وبالتالي فعليه أن ينفق مما إستخلفه الله فيه، وبكلمات أخرى، هنا تكمن المسؤولية ومجال كون الفرد راع ومسؤول عن رعيته، فرعيته هي ما استخلفه الله فيه، وعلى كل مسلم أن يبحث عمّا إستخلفه الله فيه.

الهدف من هذه المسؤولية لكل مسلم، هو تحقيق الخير للناس، والتأكيد على عالمية الرسالة الإسلامية، ليس بكونها ديناً خاتماً فقط وطريقة للعبادة الروحية، بل بكونها منهج حياة خاتم ولكنه متجدد، وطريقة لجلب المنفعة التي تمكث في الأرض وتعم كل الناس، وبالتالي تصبح مسؤوليتك كمسلم، أن تفكر كيف تخدم البشرية ككل بطريقة نافعة، مع التأكيد على إيمانك بالله وتقديم نفسك على أنك ذلك المسلم النافع، وليس المسلم المنتفع بخيرات الآخرين، من معونات إجتماعية وإختراعات ونظريات وغيرها، حينها فقط ستزول المشكلة الأساسية، بغياب النموذج الإسلامي الحضاري النفعي، وبطبيعة الحال ستزول عوارض تلك المشكلة.

والله من وراء القصد

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير