تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك فانه بقدر ما يقصِّر الانسانُ فى الحفاظ على هذا التناسق بقدر ماتتجهَّم له وتستوحشَ منه نفسُه وعالَمُه الخارجي، انظر مثلًا للثلاثة الذين تخلفوا عن الخروج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، هؤلاء الثلاثة الذين حكى اللهُ – تبارك وتعالى - عنهم أنهم ضاقت عليهم الأرضُ وضاقت عليهم أنفسُهم {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} التوبة118 وانظر لأحد هؤلاء الثلاثة وهو (كعب بن مالك رضي الله عنه) وهو يصور لنا حالتَه النفسية قبل أن يتوب الله عليه، ويحكي لنا عن تجهُّم الأرض له فيقول (حتى تنكرت لى فى نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف) (3)، وأيضا السماءُ والأرض تتجهَّم للكافر اذا مات، فقد روى بن جرير بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ. ألا لا غربة على مؤمن, ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فما بكت عليهم السماء والأرض} ثم قال: «إنهما لا يبكيان على الكافر». (4 روى البخاري فى صحيحه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مر بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه. فقالوا: يارسول الله، من المستريح ومن المستراح منه؟ قال: ان العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها الى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب

)، وانظر للفضيل بن عياض -رحمه الله- وهو يقول:" إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق دابتي وامرأتي". ولذلك قد يعجب البعضُ منا ممَّا يرى من التباغض والتنافُر بين الناس لأتفه الأسباب أوبلاسببٍ أصلا، وماذلك الا لبُعد الناس عن شرع الله، كما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (لتسون صفوفَكم أو ليخالفنَّ اللهُ بين وجوهكم (متفق عليه) وورد في بعض الألفاظ أو ليخالفن الله بين قلوبكم، ومن علامات الساعة أن تُنزَع الألفةَ من الناس، كما قال ابنُ عون، عن عمير بن إسحاق قال: كنا نحدث أن أول ما يرفع من الناس -[أو قال: عن الناس]-الألفة. (5)

والحمدلله رب العالمين.

وللحديث بقية.

كتبه/خالد المرسي

(1) من كلام الدكتور عبد الكريم بكار

(2) في ظلال القرءان ج1ص421

(3) صحيح البخاري 4418

(4) تفسير ابن جرير ج22 ص35

(5) تفسير ابن كثير ج4ص85

ـ[خالد محمد المرسي]ــــــــ[05 Jul 2010, 12:23 ص]ـ

[طريق السعادة]

(2)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

تكلمنا في مقال سابق عن السعادة، وأن على من يريد العيش في هذا الكون بسلام أن يتلائم ويتناسق مع (هذا الكون) بأن يُسلم هو الأخر لله- تبارك وتعالى وعن ضرورة أن يحافظ المسلم على التزامه الكامل بدين الإسلام (عقيدة وشريعة وأخلاقًا) ليس بالمعنى السطحي عند بعض الناس الذي يقتصر على بعض العبادات دون بعض، ولكن بالمعنى الصحيح الشامل: (وهو أن الله أنزل هذا الدين ليحكم الانسانَ بكل أجزاءه ومكوناته الظاهرة والباطنة التي له إرادة في توجيهها وتحديد مسارها).

وقلنا أنه بقدر ما يقصر الإنسان في حكم نفسه بهذا الدين؛ بقدر ما يقع الخلل والاضطراب في التناسق والملائمة بينه وبين أجزاء الكون المحيط به.

وهذه المسألة هي من أهم عقائد الاسلام التي قررها الله - تبارك وتعالى - بأساليب متعددة: منها كما يقول الإمام ابن القيم: "أن الله يقرن في" القرآن الكريم " بين الهدى والرحمة، والضلال والشقاء، فمن الأول قوله: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة (5) وقال: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ البقرة (157) " .... إلى أن قال ابن القيم: "وقال الله تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى طه (123) والهدى منعه من الضلال، والرحمة منعه من الشقاء،وهذا هو الذي ذكره في أول السورة في قوله طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير