تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[15 Jun 2010, 01:39 م]ـ

6 ـ ومن الناس من ينكر التصنيف والتأليف في هذا الزمان على من ظهرت أهليته وعرفت معرفته، ولا وجه لهذا الإنكار؛ إلا التنافس بين أهل الأعصار؛ وإلا فمن إذا تصرّف في مداده وورقه بكتابة ما شاء من أشعار وحكايات مباحة أو غير ذلك لا ينكر عليه؛ فلمَ إذا تصرف فيه بتسويد ما ينتفع به من علوم الشريعة ينكر ويستهجن؟!

أما من لم يتأهل لذلك؛ فالإنكار عليه نتيجة لما يتضمنه من الجهل وتقرير من يقف على ذلك التصنيف به، ولكونه يضيع زمانه فيما لم يتقنه، ويدع الاتقان الذي هو أحرى به منه. ص62 ـ 63.

7ـ قال محمد بن الحكم: (سألت الشافعي رضي الله عنه عن المتعة؛ أكان فيها طلاق أو ميراث أو نفقة تجب أو شهادة؟ فقال: والله ما ندري).

واعلم أن قول المسؤول (لا أدري) لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، بل يرفعه؛ لأن دليل عظيم على عظم محله، وقوة دينه، وتقوى ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته، وحسن تثبته. وإنما يأنف من قول (لا أدري) من ضعفت ديانته وقلّت معرفته؛ لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشهر خطؤه بين الناس، فيقع فيما فرّ منه، ويتصف عندهم بما احترز عنه. وقد أدّب الله تعالى العلماء بقصة موسى مع الخضر عليهما السلام حين لم يرد موسى عليه الصلاة والسلام العلم إلى الله تعالى لما سئل: هل أحد في الأرض أعلم منك؟. ص79.

8 ـ ينبغي للمعلم أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (أكرم الناس عليّ جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ، لو استطعت أن لا يقع الذباب عليه؛ لفعلت). وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعزّ أولاده؛ من الحنو، والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع منه، نقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسوء أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف؛ قاصداً بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه. ص89.

9 ـ ينبغي على المعلم أن لا يلقي إلى الطالب ما لم يتأهل له؛ لأن ذلك يبدد ذهنه ويفرّق فهمه. فإن سأله الطالب شيئاً من ذلك؛ لم يجبه، ويعرّفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وأن منعه إياه منه لشفقة عليه ولطف به، لا بخلاً عليه، ثم يرغّبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل؛ ليتأهل لذلك وغيره. وقد روي في تفسير الرباني: أنه يربي الناس بصغار العلم قبل كباره. ص90 ـ 91.

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[16 Jun 2010, 10:04 م]ـ

10 ـ على المعلم أن يسعى في مصالح الطلبة وجمع قلوبهم ومساعدتهم بما تيسر عليه من جاه ومال عند قدرته على ذلك وسلامة دينه وعدم ضرورته؛ فإن الله تعالى في عون العبد مادام العبد في عون أخيه، ومن كان في حاجة أخيه؛ كان الله تعالى في حاجته، ومن يسر على معسر؛ يسر الله عليه حسابه يوم القيامة، ولا سيما إذا كان ذلك إعانة على طلب العلم الذي هو من أفضل القربات. وإذا غاب بعض الطلبة أو ملازمي الحلقة زائداً عن العادة؛ سأل عنه وعن أحواله وعن من يتعلق به، فإن لم يخبر عنه بشيء؛ أرسل إليه، أو قصد منزله بنفسه، وهو أفضل. فإن كان مريضاً؛ عاده، وإن كان في غم خفض عليه، وإن كان مسافراً تفقد أهله ومن يتعلق به، وسأل عنهم، وتعرض لحوائجهم، ووصلهم بما أمكن، وإن كان فيما يحتاج إليه فيه إعانة، وإن لم يكن شيء من ذلك؛ تودد عليه، ودعا له.

واعلم أن الطالب أعود على العالم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه وأقرب أهله إليه. ولذلك كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم، ولو لم يكن للعالم إلا طالب واحد ينتفع الناس بعلمه وعمله وهديه وإرشاده؛ لكفاه ذلك الطالب عند الله تعالى؛ فإنه لا يتصل شيء من علمه إلى أحد فينتفع به؛ إلا كان له نصيب من الأجر. ص103 ـ 104.

11 ـ قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العبد انقطع عمله؛ إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

وأنا أقول: إذا نظرت؛ وجدت معاني الثلاثة موجودة في معلم العلم: أما الصدقة؛ فاقراؤه إياه العلم وإفادته إياه، وأما العلم المنتفع به؛ فظاهر؛ لأنه كان سبباً لإيصال ذلك العلم إلى كل من انتفع به. وأما الدعاء الصالح له؛ فالمعتاد المستقرأ على ألسنة أهل العلم والحديث قاطبة من الدعاء لمشايخهم وأئمتهم، وبعض أهل العلم يدعون لكل من يُذكر عنه شيء من العلم، وربما يقرأ بعضهم الحديث بسنده، فيدعو لجميع رجال السند، فسبحان من اختص من شاء من عباده بما شاء من جزيل عطاءه. ص105

12 ـ على الطالب أن يطهر قلبه من كل غش ودنس، وغل وحسد وسوء عقيدة وخلق؛ ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه؛ فإن العلم كما قال بعضهم: صلاة السر، وعبادة القلب، وقربة الباطن، وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث؛ فكذلك لا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات، وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها. ص111.

13 ـ ليحذر الطالب من التقيد بالمشهورين، وترك الأخذ عن الخاملين؛ فقد عدّ الغزالي وغيره ذلك من الكبر على العلم، وجعله عين الحماقة؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن، يلتقطها حيث وجدها، ويغتنمها حيث ظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقها إليه؛ فإنه يهرب من مخافة الجهل كما يهرب من الأسد، والهارب من الأسد لا يأنف من دلالة من يدله على الخلاص كائناً من كان. فإذا كان الخامل ممن ترجى بركته؛ كان النفع به أعم، والتحصيل من جهته أتم. وإذا سبرت أحوال السلف والخلف؛ لم تجد النفع يحصل غالباً والفلاح يدرك طالباً؛ إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر، وعلى شفقته ونصحه للطلبة دليل ظاهر. ص134 ـ 135.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير