تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نظرية السيادة التي هي لُب وحقيقة وأصل الديمقراطيات الحديثة -بما انتهت إليه من الشرك بالله العظيم، لا يمكن أن تصدر إلا عن أساس إلحادي كفري، وهذه الحقيقة تكشف عنها السطور التالية:

ولنعد إلى بدايات هذه النظرية التي تشكّلت في الغرب النصراني، الذي كان يدين بعقيدة محرَّفة وشريعة مبدّلة، حيث كانت ملوكهم تحكم فتظلم وتستبد بناءً على أنهم أصحاب السيادة بمقتضى التفويض الإلهي لهم في ذلك، وقد ساعد الملوك على ذلك نظرية التفويض الإلهي التي اخترعت لتبرير سلطانهم المطلق، والتي تقول: إن الملوك يستمدون سلطانهم من تفويض الله لهم سواءً كان تفويضاً مباشراً أو غير مباشر.

وفي ظل هذا الجو المملوء بظلم الملوك وطغيانهم، لم تكن الكنيسة -الممثلة للدين عند النصارى- بما حدث فيها من فساد وإفساد وانحراف وتحريف، بقادرة على إيجاد مخرج صحيح للناس أو حتى تقليل ظلم الملوك وطغيانهم والحد من سلطانهم؛ لأنها كانت هي ركناً من أركان الظلم والطغيان.

ومن ثمَّ بدأ الناقمون على هذه الأحوال يفكرون -بعيداً عن الدين وعمن يمثلون الدين عندهم- في طريقة يسلبون بها كل سلطان الملوك، ولم تكن طريقتهم في هذا إلا استبدال كفر بكفر؛ حيث قالوا: إن السيادة لا تكون لشخص الملك، وإنما تكون السيادة للشعب كله، فالملوك والناقمون عليهم كلاهما يقول بنظرية السيادة.

أما الملوك فيجعلونها لأنفسهم، والأساس الذي بنوا عليه ذلك القول هو نظرية التفويض الإلهي.

وأما الناقمون فيجعلون السيادة للشعب، وقد كان الأساس الذي بنوا عليه ذلك القول هو:

نظرية العقد الاجتماعي:

فماذا تعني نظرية العقد الاجتماعي؟

اشتهر من المتكلمين بهذه النظرية ثلاثة أسماء: توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو. ومن غير تعرُّض لتفصيلات واختلاف وجهات نظرهم في بعض جوانب هذه النظرية، فإن جوهر النظرية يقوم على تصور أن الناس في أول أمرهم كانوا يعيشون حياتهم الفطرية البدائية، وكانت حياة غير منظمة، فلم يكن لهم تشريع يحكمهم ولا دولة أو مؤسسة تنظم معاملاتهم وترعى شؤونهم، وأن الناس في طور لاحق من حياتهم احتاجوا إلى التشريع الحاكم، والدولة التي تنظم أمور حياتهم، وأنهم لأجل ذلك عقدوا فيما بينهم عقداً لإقامة السلطة التي تحكمهم وتنظم شؤونهم ومعاملاتهم، وتحفظ عليهم ما بقي من حقوقهم وحرياتهم، والسلطة حسب هذا التصور قامت بناءً على الإرادة الشعبية، لذلك كان الشعب هو صاحب السيادة. هذا هو جوهر نظرية العقد الاجتماعي، فماذا يعني ذلك؟!

يعني ذلك أن هذه النظرية تنطلق من تصور كفري إلحادي، لأن هذه النظرية إما أنها تصورت الناس وكأنهم وُجدوا من غير خالق لهم، وأنهم وُجدوا هكذا غير منظمين بغير شريعة هادية أو قانون حاكم.

وإما أنها تعترف بوجود خالق، لكن الخالق -في هذه النظرية- لا فعل له إلا مجرد الخَلْق، أما أن يرسل من عنده رسلاً إلى الناس تعلمهم وترشدهم وتهديهم وتأمرهم بالخير وتنهاهم عن الشر، وتنظم شئونهم ومعاملاتهم، فهذا ما لا وجود له في هذه النظرية.

ولو كان ذلك موجوداً فيها ما احتاجوا إلى هذا العقد الذي عقدوه.

ومن المعلوم المقطوع به أن نظرية العقد الاجتماعي تناقض القرآن الكريم مناقضة تامة، فالقرآن يخبرنا أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام أول الناس، ثم أهبطه هو وزوجه إلى الأرض، وأنزل إليه الشريعة التي أمره أن يعمل بها هو وأولاده، وأن الله عز وجل لم يزل يرسل رسله ويُنَزِّل كتبه لهداية الناس وإرشادهم وتنظيم شئونهم ومعاملاتهم، قال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل آية 36] وقال تعالى: (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) [فاطر آية 24] وقال تعالى عن النار: (كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالو بلى قد جاءنا نذير فكذبنا) [الملك آية9] وغير ذلك من الآيات في هذا المعنى، فأين إذن هذه الحياة الفطرية البدائية التي لم يكن فيها تشريع حاكم؟! كما تقول هذه النظرية).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير